الأغنية المغربية بين الماضي المشرق والحاضر المظلم

أغاني كثيرة أصبحت اليوم تحاصر الجمهور المغربي من كل حدب وصوب على القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، وموقع الفيديوهات “اليوتوب”. فما إن يصدر فنان أغنيته حتى يطل آخرون بأعمال غنائية أخرى وكليبات وعناوين متعددة تجعل من المتلقي في حيرة من أمره، “عطيني صاكي”، ” جوج كلمات”، “أنت لي بديتي”، “نبغي تجيني بسورفيت”، “غانجيبو” وغيرها، كلها عناوين تحصد نسب مشاهدة عالية وتفتح نقاشا كبيرا وانقساما أكبر بين مؤيد ومعارض لهذه النوعية من الأعمال الغنائية.

فتراجع الأغنية المغربية إبداعيا وأخلاقيا في زماننا اليوم والتي صارت تضرب بالهوية المغربية الأصيلة عرض الحائط بحثا عن “البوز” من أجل الربح المادي والشهرة، زج بها في قفص المسائلة حول العلاقة التي تجمع بين الفن والإبداع والأخلاق.

الأغنية المغربية: أفول الزمن الجميل وحلول زمن الرداءة

يقول سعيد، وهو من عشاق الأغنية المغربية منذ عقود:” عرفت الأغنية المغربية في الزمن الجميل ازدهارا كبيرا، حيث كانت الساحة الفنية المغربية تعج بفنانين وملحنين وكتاب خلدوا أسماءهم بفضل إبداعاتهم وتألقوا في صنع كيان خاص للأغنية المغربية رغم غياب القنوات الفضائية والوسائل الأخرى المتاحة حاليا، إذ لازال المغاربة إلى حدود اليوم يرددونها عن ظهر قلب، كما كانت للتجربة المشرقية وقتها دور كبير في الارتقاء بالذوق الفني”.

“في الحقبة الذهبية للأغنية المغربية، كانت تظهر أغاني تحمل أبعادا ثقافية وسياسية تعكس صورا من المجتمع عرفت إقبالا كثيفا من طرف الجمهور لأنها تحمل في مضمونها الهوية المغربية الأصيلة”، هكذا عبرت نوال وهي تتحدث بحرقة شديدة عن ما أسمته ب”الفيروس القاتل” الذي ضرب الأغنية المغربية اليوم وجعلها تحتضر بسبب ما أصبح متداولا من كلمات خادشة للحياء في أغاني اليوم، لتواصل حديثها بالقول:” أصبحنا اليوم نستحيي من ترديد كلمات أغنية من الأغاني التي توجد في الساحة الفنية أمام أسرنا وعائلاتنا بسبب رداءتها وكأنك تشاهد شجارا لفظيا بين شخصين، فالأغنية المغربية الحقيقية لا تجد نفسها بتاتا في ما يطرح في السوق الفنية حاليا لا من حيث الإيقاع ولا الروح”.

“هناك أصوات شبابية متميزة في الوسط الفني المغربي حاليا لكن الصوت وحده لا يكفي حتى تحقق الأغنية نجاحا طويلا عكس ما كان يقع سابقا”، هكذا تحدث فنان صاعد عن واقع الأغنية المغربية اليوم قائلا: “أغنية (ساعة سعيدة) لمحمود الإدريسي لازال الجميع يرددها إلى حدود اليوم، لكن جل الأغاني الشبابية اليوم المطروحة في الساحة الفنية لن تستمر طويلا مادامت تبحث عن النجاح الآني عن طريق (البوز) في الكلمات أو مشاهد الفيديو كليب حتى تحصد ملايين المشاهدات على موقع “اليوتوب” والرغبة الجامحة في الحصول على أرباح خيالية على حساب القيم والعادات المغربية الأصيلة في ظل انتشار كاسح لمواقع التواصل الاجتماعي.

أغاني تعتمد بالدرجة الأولى على الإثارة ودغدغة المشاعر بصور إباحية بفعل كلماتها بحثا عن “البوز” لتحصد نجاحا مؤقتا عابرا في الزمن على حساب الهوية المغربية الأصيلة تحت طائلة الانفتاح الثقافي والتجديد وحصد الأرباح المادية واكتساب الشهرة، جعلت الأغنية المغربية الأصيلة تفقد بريقها أمام هذه الموجة الجديدة رغم وجود أصوات شبابية متميزة التي فضلت السير على هذا النهج الغير السليم.

الأغنية المغربية بين البحث عن البوز والبحث عن التجديد

قال الفنان المغربي محمد الزيات في تصريحه لجريدة “المصدر ميديا” أن المتلقي المغربي يعيش اليوم في زمن الرداءة الفنية بسبب ما أصبح يروج اليوم في الساحة الغنائية المغربية من أغاني هابطة تفتقد للهوية المغربية رغم وجود بعض الاستثناءات إلا أنها لا تظهر وسط ذلك الزخم الكبير من الأعمال الأخرى، وأضاف قائلا:” لست متشائما جدا حول مستقبل الأغنية المغربية لكننا وصلنا لمرحلة تصعب فيها المراقبة الصارمة لما يقع في الساحة الغنائية أدت إلى انفلات فني موسيقي في المغرب”.

وحمل الزيات المسؤولية لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها قائلا:” وسائل الإعلام اليوم تكرس هذه النوعية من الأغاني الهابطة التي تبحث عن البوز ولا تمارس دورها الرقابي للحد من هذه الظاهرة كما كانت تقوم به الإذاعة الوطنية سابقا “.

وتابع نفس المتحدث بالقول:” أصبحت اليوم منافسة قوية بين الفنانين الشباب من الذي ستحقق أغنيته أكبر نسبة مشاهدة على “اليوتوب” كما أن ظهور مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أنواعها وغياب ثقافة موسيقية حقيقية ساهما في تزايد معدل الرداءة الفنية بالمغرب”.

بدورها عبرت الفنانة المغربية خولة بنعمران في تصريح لجريدة “المصدر ميديا” عن موجة البوز التي اجتاحت الأغاني المغربية في الآونة الأخيرة بقولها:” ليس من الضروري أن نبحث عن البوز لنجاح العمل الفني وليصل إلى أكبر عدد من الجمهور، فالبحث عن البوز بطرقه المختلفة يمكن أن يتحول إلى فخ يسقط فيه الفنان دون علمه”.

من جانبه، أشاد الفنان اللبناني وسام أمير في تصريح أدلى به لجريدة “المصدر ميديا”، بالتجديد الذي يطرأ على الأغنية العربية أو المغربية عموما سواء كان سلبيا أم إيجابيا، وتابع قائلا: “جيد أن يعتاد الجمهور على سماع أنماط غنائية جديدة لكن إن كان اختيارا سلبيا في أغنية ما لفنان معين يصبح بعد ذلك إيجابيا في عمله الموالي حتى لا يقع في نفس الخطأ مرة أخرى”.

يجب إعادة ترتيب البيت المبعثر للأغنية المغربية حتى تستعيد بريقها مجددا من خلال اعتماد استراتيجية شاملة للنهوض بالقطاع الموسيقي في المغرب كما على جميع الفاعلين والمتدخلين في القطاع أن يفرضوا قيودا صارمة لمعالجة مواطن الخلل للحفاظ على الهوية الثقافية المغربية.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد