الأسواق الحرفية بفاس.. متحف مفتوح ينبض بالعراقة والحياة

فاس مدينة بعبق التاريخ، تشكل فيها الحرف التقليدية هوية المدينة القديمة وجزءا لا يتجزأ منها، كما أنها وجهة مفضلة للسياح للإطلاع على ما تزخر به الأسواق من صناعة يدوية مازالت منذ مئات السنين تتوارثها الأجيال المتعاقبة وتحافظ على طابعها التقليدي المميز.

الصناعات التقليدية..حرف ضاربة في عمق التاريخ

ما أن تعبر قدميك إلى داخل أسوار أسواق فاس الشعبية التي تأخذك في رحلة عبر التاريخ، حتى يخيل إليك أنك داخل متحف مفتوح ينبض بالعراقة والحياة، يضم مباني وأزقة بأشكال وأنماط مختلفة منها المنازل القديمة أو يسمى ب”الرياض” والفنادق التاريخية وجامعة القرويين العريقة وسوق الصفارين وحي الدباغين وغيرها من الأماكن التراثية، لكن أكثر ما يميز فاس هو تفنن حرفييها بمختلف أنواع الصناعات التقليدية الضاربة في عمق التاريخ المغربي.

ولتوضيح عراقة بعض المهن التقليدية، قال “عمر القاديري” معلم الدباغة التقليدية أن هذه المهنة من أعرق المهن التقليدية، وتمثل مدابغ فاس أهم الرموز الحرفية للمدينة التي ظلت شامخة رغم مرور الزمن، ويأتيها السياح من كل بقاع العالم للإطلاع عن قرب على حرفية صانع المغربي في تعامله مع الجلود وكيفية إشباعها بالصباغة داخل الأحواض قبل إخراجها ونشرها على أسطح الشقق المجاورة. ويضيف ” القاديري ” أن الأسر الفاسية تحرص على تدريب أبنائها منذ الصغر على اتباع تقنيات التعامل مع الجلود وطرق استخدام النباتات الطبيعية المتعارف عليها منذ قرون. وحسب “القاديري” فوالده يتوفر على مصنع لصناعة المنتوجات الجلدية التقليدية وسبق له أن شارك في عدد من المعارض الوطنية. ورغم صغر سنه إلا أن طموحه كبير جدا في الوصول إلى العالمية، لكنه يطالب الجهات المسؤولة بتحمل بعض المصاريف لتسهيل عملية تسويق المنتوجات في الأسواق الخارجية واعتبر أن الصناعة التقليدية تحتاج للإعلان الجيد.

وبدوره قال “عماد بناني” وهو متخصص في صناعة الأثواب ومالك لورشة تقليدية للنسيج، إنهم يتوارثون هذه المهنة عبر الأجيال، ويستخدمون الأدوات التقليدية نفسها التي كان يستخدمها أجدادهم في صناعة جميع أنواع الأنسجة. ويضيف “بناني” تعلمت الحرفة على يد والدي منذ الصغر مثلما تعلمها والدي من جده، وأنا اليوم جد فخور بتعلمي لأصول هذه المهنة التي لها مكانة كبيرة في مجال الصناعة التقليدية ولا يمكن للآلة أن تنافس الحرفة اليدوية لأنها تتطلب المزيد من الإبداع والجهد.

أما في سوق الصفارين فالزائر يقف على تفاصيل مهنة الأواني النحاسية، التي يبدع فيها الحرفي بأنامله بتشكيل تصاميم مبدعة يقبل على اقتنائها الزائر على ضجيج المطارق وهي تضرب بدقة على آنية من نحاس.

يقول “أحمد بنيس” وهو متخصص في إنتاج وتزيين الأواني التقليدية، تشبعت بفنون هذه الحرفة منذ أن كان عمري لا يتجاوز عشر سنوات، وبدأت حياتي المهنية بمحل صغير وبعدد قليل من الحرفيين لكن طموحي كان كبيرا ومع مرور الوقت قررت توسيع المشروع إلا أن أصبح لدي معمل متخصص في إنتاج وتزيين الأواني التقليدية. يضيف “بنيس” أن منتوجاته تجد إقبالا كبيرا من طرف الزوار المحليين والآجانب، وأيضا خلال مشاركاته بمعارض المنتوجات للصناعة التقليدية الوطنية والدولية.

على الرغم من أن صناعة الزليج البلدي تتطلب مجهودا كبيرا وصبرا أكبر، فهي حرفة تتطلب الدقة والإتقان، إلا أن الطلب عليها في تزيين البيوت والأعمدة والنوافير وأرضية الحمامات وجدرانها جعل الصانع “محمد العراقي” يستمر في المهنة ويعرض أشكالا هندسية في غاية الجمال والروعة تلقب بمسميات مختلفة منها “الترصيع والخمسيني والمثمن ومخبل العقول” واعتبر”العراقي” أن الزليج البلدي لا يفقد قيمته وجودته وجماله أبدا، وإن قيل أنه صالح للأبد فذلك صحيح وهو ما تشهد عليه الجدران أو الأرضيات في البيوت القديمة.

أما عن توجهه لصناعة الزليج فيقول “العراقي”: “أحببت هذا المجال منذ الصغر، وعند استلامي لورشة والدي لتوسيعها أول شيء نصحني به هو الصدق والإبداع حتى أستمر وأنجح بعملي، وقال لي بالحرف الواحد ويبقى الإتقان هو أهم شيء فبه ستصنع الاختلاف في ظل انتشارعدة محلات لبيع وتركيب الزليج”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد