يتجه العالم بأنظاره اليوم نحو التوتر الأخير والشديد بين الولايات المتحدة وإيران، والذي يوقف الشرق الأوسط بأكمله على شفا إنتظار مقلق، ينذر بإعادة شن حرب، مثلما فعلت إدارة بوش قبل غزو العراق عام 2003.
وتلوح إمكانية الصراع المسلح بين البلدين بالأفق منذ الثورة الخمينية والاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران قبل أربعة عقود، والتي تلتها تصاعدات وتوتُّرات في بعض الأحيان كان اقواها تصادم القوات الأمريكية والإيرانية في مضيق “هرمز”، مراراً في عام 1988، أولها تدمير لغم إيراني لفرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية في 18 أبريل 1988، بعد ان أغرق الأمريكيون ثلاث سفن بَحرية إيرانية، ودمَّروا منصتي مراقبة فيما كانت تقريباً حرباً من يومٍ واحد، تلاها إسقاط سفينة حربية أمريكية في يوليوز 1988 لطائرة ركاب إيرانية، وهو ما أودى بحياة 290 شخصاً، وقال الأمريكيون إنَّهم أخطأوا طائرة الركاب بطائرة مقاتلة أخرى.
وفي دجنبر2011، ادَّعت القوات الإيرانية أنَّها أسقطت طائرة استطلاع أمريكية متطورة من دون طيار، قال الأمريكيون بعدما فُقِدَت، انها تحطَّمت، وطالبت إيران بإعادتها، كما أسَرَت البحرية الإيرانية في يناير 2016، 10 بحَّارة أمريكيين كانوا يُسيِّرون دورية قوارب وانحرفت قواربهم إلى المياه الإقليمية الإيرانية في الخليج. والتقط الإيرانيون صوراً للبحارة وهم جاثون على رُكَبهم، وهي خطوة كان الهدف منها بوضوح، إهانة الولايات المتحدة، لتتجه التوثرات الجديدة ومع دخول ترامب على الخط إلى الدفع بالعلاقات إلى المزيد من التوثر، خصوصا بعد أن أشارت الولايات المتحدة إلى معلوماتٍ بشأن تهديدٍ وشيك بوقوع هجومٍ إيراني في الشرق الأوسط، وحرَّكت بسرعةٍ مجموعة قتالية لحاملة طائرات إلى المنطقة، ما جعل البعض يتحدث عن إمكانيات قيام حرب عالمية ثالثة، فهل نحن على مشارف حرب عالمية ثالثة؟!
قد يقارن البعض هذا الوضع بالفترة السابقة للغزو الأمريكي للعراق، وإنهائها لحكم صدام حسين، إلا أن الأمر مختلف هذه المرة، فمساحة إيران أكبر من حيث المساحة بمقدار أربعة أضعاف تقريباً من الجار العراقي، ووفقاً للبنك الدولي، يصل عدد سكانها إلى نحو 80 مليون نسمة، وهو ثاني أكبر عدد سكان في المنطقة بعد مصر، كما تملك ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب الصحيفة الأمريكية.
وفي تحليل بصحيفة واشنطن بوست تحت عنوان “الصراع مع إيران لن يكون كحرب العراق بل أسوأ”، لفت الكاتب آدم تيلور الانتباه إلى أنه بالرغم من أوجه التشابه فإن الصراع مع إيران لن يكون مجرد تكرار لحرب العراق عام 2003، بل سيكون مختلفا تماما من نواح كثيرة ومن المؤكد أنه سيكون أسوأ بكثير، فهي بالإضافة إلى أنها أكبر مساحة من العراق بنحو ثلاثة أضعاف وتفوقه بكثير في عدد السكان، تمتلك قوات برية وبحرية تصل حاليا 523 ألف جندي، إضافة إلى 250 ألفا من قوات الاحتياط ( الجيش العراقي كان قوامه أقل من 450 ألف فرد عندما بدأ الغزو).
و إذا كانت إيران تملك جيشاً نظامياً محدوداً، فإن شبكتها المتنامية من المجموعات الوكيلة تُعظِّم نفوذها في المنطقة، وهو ما يعني أنَّ أي صراعٍ مع القوات الأمريكية قد يؤدي إلى حرب عصابات تُخاض على عدة جبهات، تقودها جماعات موالية لإيران تجمعها بها مصالح مشتركة أكبر من روابط عقيدة دينية تقليدية (فصائل فلسطينية معينة، مجموعات كردية عراقية، علاقاتها مع بشار الأسد في سوريا أو الحوثيين باليمن…).
كما يكشف رد الحلفاء في أوروبا والشرق الأوسط عن ردود أفعال مختلفاً للغاية عن ردهم في الفترة السابقة للحرب على العراق، حيث لايزال الحلفاء الإقليميون –وضمن ذلك الإمارات والسعودية وإسرائيل، وهي الدول التي كانت كلها داعمة لحملة الضغط الأقصى التي تتبعها إدارة ترامب على إيران- صامتين حتى الآن، في ظل تشكيك أوروبي في حقيقة مزاعم وجود تهديدٍ وشيك بوقوع هجومٍ إيراني في الشرق الأوسط، خصوصا بعد أن دفعت أمريكا في عهد بوش عددا من الدول للدخول في حرب ضد العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، كبدت الأطراف خسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، وخسائر مادية تقدر بتريليونات الدولارات، ليتبين للجميع أن العراق لا تمتلك أسلحة دمار شامل، وأن الأمر لم يكن سوى خطة محكمة حبكتها الولايات المتحدة لدخول العراق.
كما يكشف التقارب الصيني الإيراني، على ان إمكانيات الدخول في حرب يبقى بعيدا جدا، فقد أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الجمعة 17 ماي 2019، إن بلاده تعارض فرض العقوبات الأمريكية أحادية على إيران وتقف ضد ما سماه «الصلاحيات الأمريكية العابرة للحدود»ن وجاء ذلك خلال اجتماع عقده وانغ مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، بالعاصمة بكين.
من هنا تظل إمكانية قيام حرب ضد إيران ضئيلة جدا، وتبقى تحركات أمريكا وحلفائها مجرد حيل لممارسة مزيد من الضغوط على إيران.