إنفجارات تونس قراءة في السياق

هز انفجار ضخم، مساء يوم أمس الثلاثاء 2 يوليوز، منطقة المنيهلة في العاصمة التونسية، بعد أن أقدم “إرهابي”  يدعى أيمن السميري والذي سبق أن وضعته الاجهزة الامنية على قوائم المطلوبين في البلاد ، وأصدرت وزارة الداخلية بلاغا للتفتيش عنه، بتفجير نفسه على مستوى مفترق النقرة بين حي التضامن وحي التحرير، بعد محاصرته من قبل القوات الأمنية، قبل أن تتمكن الوحدات الأمنية من القضاء عليه في حي الانطلاقة بعد مطاردته من قبل الوحدات الأمنية، دون تسجيل أضرار بشرية ولا مادية.

الإنفجار الجديد، جاء بعد أسبوع من إنفجار إنتحاري يوم الخميس 27 يونيو 2019، استهدف سيارة للشرطة في العاصمة تونس، عند تقاطع شارع فرنسا ونهج شارل دي غول التجاري وسط العاصمة تونس على بعد نحو 150 مترا من السفارة الفرنسية، خلف إصابة شرطيَّين اثنين و3 مدنيين، وجاء ذلك بعد ساعات من هجوم مسلح استهدف محطة الإرسال التلفزيوني، بجبل عرباطة في ولاية قفصة، جنوبي تونس، من قبل مجموعة مسلحة دون تسجيل أية أضرار بشرية او مادية، فيما استهدف تفجير انتحاري ثانٍ مقر الشرطة العدلية في العاصمة، وأدى إلى  إصابة 4 رجال أمن، قبل أن تعلن وكالة أعماق التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤولية التنظيم عن الهجومين.

فماهي السياقات التي تتزامن معها هذه التفجيرات الإنتحارية التي ضربت البلاد في أقل من اسبوع؟

istiqlal

السبسي يتعرض لوعكة صحية:

أعلنت الرئاسة التونسية تعرض الرئيس الباجي قائد السبسي، البالغ من العمر 94 عاما، لوعكة صحية حادة، يوم الخميس الماضي، استوجبت نقله إلى المستشفى العسكري في العاصمة.

ولم تقدم الرئاسة التونسية أي تفاصيل عن الحالة الصحية للرئيس السبسي، بينما كان الرئيس التونسي قد تعرض لوعكة صحية وصفت بالخفيفة، الأسبوع الماضي، ونقل للمستشفى قبل أن يغادره بعد الخضوع للفحص الضروري.

«الإسلاميون يؤيدون الإرهاب ويريدون إعادتنا 14 قرناً للوراء»، كانت هذه تصريحات المرشح الباجي قايد السبسي، لوعكة صحية حادة، وقبل أن يصبح رئيساً لتونس، ولكن بعد ذلك أصبح تفاهم السبسي مع الغنوشي هو أساس النظام السياسي التونسي بعدما أصبح الرجل رئيساً للبلاد، حتى لو واصل انتقادهم في كلماته.

قامت السياسة التونسية منذ انتخاب السبسي رئيساً للبلاد، على التفاهم بينه وبين رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي، وهو التفاهم الذي يبدو غريباً بالنظر إلى  أن الرجل أسهم في إسقاط حكومة الإسلاميين، وجاء ببرنامج انتخابي يقوم على العداء لهم.

والمفارقة أن الإسلاميين قد يكونون الأكثر قلقاً الآن في ظل الأنباء عن تدهور الحالة الصحية للسبسي، وفي ظل احتمالات الفراغ في السلطة بالبلاد المستهدَفة من كثير من الأنظمة العربية التي تنظر بقلق إلى نجاح تجربتها الديمقراطية.

وهي التجربة التي اكتسبت طابعاً خاصاً بفضل البصمات التي تركها السبسي ومعه الغنوشي عليها.

وينظر البعض إلى قايد السبسي، السياسي القادم من أروقة النظام السابق، باعتباره قائداً للثورة المضادة الناعمة في تونس، والرجل الذي يشعل الاستقطاب العلماني الإسلامي في هذا البلد لأغراض سياسية، مثلما فعل بموضوع المساواة في الميراث.

في حين ينظر إليه آخرون على أنه سياسي مخضرم تمكن، من خلال تفاهمه مع زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي، من حماية الديمقراطية التونسية، لتصبح تونس البلد الوحيد الذي نجا من الثورة المضادة في كل البلدان العربية.

فمن هو قايد السبسي في كل هؤلاء، هل هو قائد الثورة المضادة الناعمة التي تستغل الديمقراطية التونسية لإبقاء النظام السابق؟ أم السياسي الحكيم الذي رفض إغواء عرابي الثورات المضادة في العالم العربي للانقلاب على الديمقراطية التونسية؟، حسب ما تساءلت صحيفة “العربي بوست”.

الإنتخابات البرلمانية والرئاسية التونسية

ينتظر ان تشهد تونس قريبا الانتخابات البرلمانية المقرر إقامتها في السادس من أكتوبر والتي ستليها انتخابات رئاسية في 17 نوفمبر تشرين – الثاني.

وتأتي هذه المحطات الإنتخابية ضمن سياق يقود عصام الشابي، رئيس الحزب الجمهوري التونسي المعارض، ائتلافاً سياسياً وانتخابياً جديداً، يضم حزب «حركة تونس إلى الأمام» بزعامة القيادي والنقابي السابق عبيد البريكي، وحزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» بزعامة فوزي الشرفي، و«حركة الديمقراطيين الاجتماعيين»، التي يترأسها أحمد الخصخوصي، علاوة على ائتلاف «قادرون» (ائتلاف مدني) بزعامة ليث بن بشر.

ويضع هذا الائتلاف الجديد نصب عينيه المشاركة بفعالية في الانتخابات البرلمانية المقررة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، والانتخابات الرئاسية المرتقبة في 17 من نوفمبر (تشرين الثاني) من السنة الحالية.

ومن المنتظر أن يستعد هذا الائتلاف، الذي يحمل اسم «الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي» للمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، في ظل منافسة قوية مع حركة «النهضة» (إسلامية)، وحركة «تحيا تونس» (ليبرالية)، حسب ما أفادت صحيفة الشرق الأوسط.

المساواة بالإرث تثير حفيظة الإسلاميين

أدخلت الإصلاحات المرتبطة بالحريات الفردية والمساواة بين الجنسين، تونس في صراع حامي بين الداعمين لهذه الإصلاحات، عقب إعلان الرئيس الباجي قايد السبسي عن مشروع ِ قانون للمساواة في قانون الميراث، قبل ان يتقاطـَر الآلاف من ممثلي الجمعيات النسائية والمجتمع المدني والأحزاب الليبرالية على شارع “الحبيب بورقيبة”، لمساندة تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة وسط أجواء احتفالية.

ورفع المتظاهرون الرايات الوطنية وشعارات مساندة للحرية والمساواة مثل “لا جمهورية بلا حرية” و”الحرية في كل وقت” و”لا فتوى لا استفتاء على حقوق النساء”، كما أطلقوا شعارات مناوئة لتيار الإسلام السياسي في البلاد، وهتفوا “يسقط حكم المرشد”، في إشارة الى زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي..

وقال السبسي في كلمة ألقاها بمناسبة العيد الوطني للمرأة، إن سن مثل هذا القانون يترافق مع “احترام إرادة الأفراد الذين يختارون عدم المساواة في الإرث”، بحسب ما نشرت وكالة الأنباء التونسية “واتس”.

وأكد الرئيس السبسي “ضرورة مراجعة مجلة الأحوال الشخصية لمواكبة تطور المجتمع وملاءمة التشريعات الجاري بها العمل مع ما نص عليه دستور الجمهورية الثانية”.

وشهدت تونس جدلا كبيرا، السنة الماضية، حول تقرير لجنة “المساواة والحريات الفردية” الذي سلمته للرئيس السبسي في يونيو، والذي رفض الحزب الدستوري  العديد من النقاط الواردة في التقرير المتعلقة بحقوق المرأة والأسرة، فيما تؤيد التقرير منظمات وجمعيات حقوقيّة الذي سيدعم تكريس مبادئ حقوق الإنسان في تونس.

وإحتشد آلاف التونسيين أمام مجلس النواب، احتجاجا على تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة الذى أثار جدلا وانقساما واسعا فى المجتمع التونسى بين المحافظين والليبراليين، والذى اقترح المساواة فى الميراث، وإلغاء عقوبة الإعدام، وعدم تجريم المثلية الجنسية، وجاءت الاحتجاجات، استباقا لخطاب تاريخي ألقاه الرئيس التونسي، الباجى قايد السبسي احتفاء بعيد المرأة التونسية.

وتجمع الآلاف تلبية لدعوة التنسيقية الوطنية للدفاع عن القرآن والدستور والتنمية، أمام مقر مجلس النواب، بالتزامن مع تحركات شعبية بعدة مدن وبلدات تونسية، وطالب المحتجون بإلغاء تقرير اللجنة، وقالوا إنه يتعارض مع الدستور ومع هوية الشعب الإسلامية، ويسعى لتفكيك الأسرة وترابطها، ورفع بعضهم نسخا من المصحف الشريف، ورددوا هتافات: «سندافع عن الإسلام بدمائنا»، و«الشعب يريد إسقاط التقرير»، و«تقرير اللجنة دعوة للفتنة ونسف للأسرة»، وأطلقوا هتافات تطالب بسحب مشروع القانون، ورفعوا لافتات تدعو بضرورة تطبيق أحكام الشريعة فى قوانين الميراث، واعتبروا أن الإرث «خط أحمر»، وشارك فى الاحتجاجات، جمعيات وعلماء دين وأئمة مساجد ونشطاء سياسيون، وأحزاب دينية.

وكان السبسى شكل اللجنة فى 17 غشت 2017، وكلفها بإعداد تقرير يتضمن إصلاحات تشريعية متعلقة بالحريات الفردية والمساواة منها إقرار المساواة فى الميراث وأثار وقتها جدلا واسعا فى تونس وخارجها، وعكست مبادرة السبسى، الانقسام بين العلمانيين والإسلاميين المحافظين، بشأن دور الدين فى المجتمع والذى برز بعد ثورة 2011.

وقدمت اللجنة مطلع يونيو الماضى إلى السبسي تقريرا من 233 صفحة من جزأين، الأول مخصص لـ«الحقوق والحريات الفردية»، ويتناول الثانى «المساواة» التامة بين الجنسين، خاصة فى الميراث، إما بشكل إلزامى أو بشكل اختيارى، والمساواة بين جميع الأطفال، بمن فيهم المولودون خارج إطار الزواج، كما اقترحت إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها فى الحالات القصوى التى ينتج عنها الموت، وعدم تجريم المثلية الجنسية، وإلغاء المهر كشرط للزواج وإلغاء العدة للمطلقة أو الأرمل كشرط للزواج، وبررت اللجنة، المساواة في الإرث، بتغير المجتمع وتطور دور المرأة التي أصبحت تتقاسم مع الرجل المسؤوليات المالية داخل الأسرة، لكنها تركت للأفراد الذين يرفضون المساواة، حرية توزيع الإرث بشكل مختلف، وأكدت اللجنة أن توصياتها «لا تتنافي وجوهر الإسلام».

إلا أن قطاعات واسعة من الأئمة والجمعيات الدينية ومشايخ وعلماء فى جامعة الزيتونة، أكدوا رفضهم التقرير، معتبرين أنه يمس بالهوية والعقيدة الإسلامية، واعتبر وزير الشؤون الدينية السابق، نور الدين الخادمي، فى تصريحات لـ«بى بى سى» أن التقرير «يمسّ هوية الشعب التونسى»، فيما ترى اللجنة أن تقريرها يستند إلى الدستور والمواثيق الدولية، ولا يمس الهوية والعقيدة، وقالت رئيسة اللجنة، بشرى بالحاج حميدة، إن «هناك رغبة سياسية حقيقية، ولمبادرة رئيس الجمهورية حظوظ وافرة للمصادقة عليها فى البرلمان، وأضافت إن «انتقادات بعض المعارضين لتقريرنا تؤكد أنهم غير مطلعين على محتواه»، وعبرت عن انزعاجها من «حملات التشويه والتضليل» التى اتخذت أشكالا عدة، من بينها توزيع منشورات تنسب للتقرير توصيات لم ترد فيه، كاعتبار الختان شكلا من أشكال التعذيب ووقف الأذان فى المساجد، وتعالت أصوات تطالب بإنهاء الجدل بشأن التقرير من خلال اللجوء إلى استفتاء شعبى، إلا أن رئيسة اللجنة، قالت إنه «لا يمكن وضع حقوق الإنسان محلّ استفتاء».

وهو مشروع القانون، الذي كشفت صحيفة العربي الجديد، عن توجه البرلمان التونسي نحو تأجيل المصادقة علىه إلى ما بعد الانتخابات، إذ لا تفصل مجلس نواب الشعب عن نهاية ولايته سوى 6 أسابيع يصبح معها تمرير القانون مهمة شبه مستحيلة.

وركنت لجنة الصحة والشؤون الاجتماعية قانون المساواة في الميراث جانبا لتشرع في مناقشة قانون يتعلق بحقوق المرضى والمسؤولية الطبية، في حين نفى رئيس اللجنة البرلمانية، سهيل العلويني، وجود أي توجه نحو تعطيل مناقشة مشروع القانون، حسب ذات الصحيفة.

يشار إلى أن تونس واحدة من أكثر الدول العربية انفتاحا في مجال تحرر المرأة منذ صدور مجلة الأحوال الشخصية عام 1956 لكن رغم ذلك ظل موضوع المساواة في الميراث أمرا بالغ الحساسية في المجتمع التونسي، خصوصا وأن الإسلام هو دين الدولة الرسمي في تونس. حيث أن حوالي 98 بالمئة من عدد سكان تونس هم مسلمون. معظمهم من السنة الذين ينتمون إلى المذهب المالكي.

يذكر أن الهجمات الأخيرة التي شهدتها تونس تأتي في ذروة الموسم السياحي الذي تأمل تونس أن يشهد عددا قياسيا من السائحين بعد أن أدت هجمات لمتشددين في 2015 إلى مقتل العشرات مما أسفر عن عزوف السائحين والمستثمرين عن البلاد خلال الأعوام القليلة الماضية.

ويشكل القطاع السياحي في تونس نحو ثمانية بالمئة من الاقتصاد التونسي ككل، ويؤمن وظائف لنحو 400 ألف شخص، ولكنه تعرض لنكسات متتالية منذ العام 2011.

 

 

 

istiqlal
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد