إحتفالات ذكرى المولد النبوي بالمغرب تقليد راسخ بخصوصيات مغربية

“وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ”، هكذا يستقبل الملايين من المسلمين في ربوع العالم عيد مولد النبي الكريم، الذي يصادف هذه السنة يوم الأحد 10 نونبر المقبل، الموافق لـ12 ربيع الأول 1441هـ .

ويحتفل مسلمو العالم بشكل جماعي بهذه الذكرى الكريمة من خلال اقامة احتفالات دينية تظهر عظمة هذه المناسبة والعظات المستوحاة منها، اضافة الى تبادل التهاني والزيارات والتي تتضمن تقديم حلويات متنوعة وبعضها له خصوصية شبيهة ما يقدم منها في شهر رمضان المبارك.

ويحرص العديد من الأشخاص وباستمرار على الاحتفال بالمناسبة المباركة من خلال زيارات لاقاربهم وتقديم الحلويات المتنوعة تعبيرا عن السعادة بهذه المناسبة العطرة وهي شبيهة بما يقدم منها في عيدي الفطر والاضحى المبارك.

في المغرب لا تختلف الإحتفال بذكرى ولادة الرسول الأكرم عن باقي دول العالم، إلا أنها تبقى مرتبطة بعادات وطقوس مغربية أصيلة متجدرة في ذاكرة المغاربة، ترتبط بالطقوس الخاصة في إعداد الحلوة، التي أصبحت تعدها المحلات التجارية والأسواق في مدن المغرب وأريافه، بعد ان كانت النساء ولايزال بعضهن يصنع حلويات العيد التي تختلف أشكالها وأذواقها من منطقة إلى أخرى.

وتعود عادة احتفال المغاربة بمناسبة ذكرى عيد المولد النبوي إلى عهد الموحدين الذين حكموا المغرب في فترة ما بين 500 و600 هجرية، حيث عملوا على تخليد مناسبة المولد النبوي الشريف كخطوة للتصدي لخطر المسيحيين في بلاد الأندلس والذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح، ولكي لا تؤثر احتفالات المسيح على المسلمين، حيث قرر الموحدون تخصيص ذكرى المولد النبوي باحتفالات تليق بمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصبح الخليفة الموحدي المرتضى يحيي ليلة المولد النبوي، وثبت أن الموحدين كانوا يحيون هذه الذكرى الدينية بحفلات القرآن والأناشيد والشعر.

ويذكر التاريخ أن الخليفة يعقوب بن عبدالحق المريني هو أول خليفة احتفل بالمولد النبوي وأقام حفلا في مدينة فاس، كما أصدر ظهيرا ينص على اعتبار عيد المولد النبوي عيدا رسميا ليتم تعميم هذا الاحتفال بالمغرب.

وتبقى مسألة شراء ملابس جديدة للصغار، لارتدائها في يوم العيد، أحد أهم التقاليد الراسخة ضمن إحتفالات المغاربة بعيد المولد النبوي، حيث يرتدي الأطفال أجمل الملابس، في تعبيرا جمالي رائع عن إحياء لذكرى ولادة خير الأنام.

وتعرف صبيحة إحتفالات العيد طقوسا خاصة، حيث يستيقظ الأهالي فجرا، للبدء في  الاستعداد لتهيئة الإفطار بعد أداء صلاة الصبح، بمائدة تحفها أطباق مغربية خاصة، وحلويات مغربية أصيلة، وتتبادل العائلات الزيارات والتهاني طوال اليوم.

وتحتفل بعض المساجد في المغرب بليلة ذكرى المولد النبوي، موقدة البخور وتتلى فيها الأذكار والمدائح النبوية، فيما يحرص الرجال والنساء على حد السواء، على ارتداء الألبسة التي يحضرونها قبل أسابيع من حلول هذه المناسبة، فترتدي النساء “القفطان” المغربي المطرزة بالزخارفة التقليدية، بينما ينتعل الرجال “البلغة”، ويلبسون الجلاليب المغربية الأصيلة.

وتقام في عدد من مساجد المملكة بين صلاتي المغرب والعشاء دروس في السيرة النبوية وأمداح نبوية وموشحات دينية وغيرها من الاحتفالات، وعند اقتراب موعد صلاة الفجر من يوم العيد يقام حفل آخر ينطلق بقراءة الأمداح النبوية والتي تستمر إلى غاية الوقت الذي ولد فيه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ( قبل صلاة الفجر) وتستمر الاحتفالات بعد صلاة الفجر.

ومن بين أبرز المدن المغربية التي تحتفل بعيد المولد النبوي، مدينة مكناس لكونها تحتضن ضريح الشيخ الهادي بنعيسى أوالشيخ الكامل (شيخ الطريقة العيساوية)، الذي يعد أحد رجال الطرق الصوفية، حيث تحيي عدد من الفرق العيساوية موسم هذا الشيخ تزامنا مع ذكرى مولد خير الأنام، وتأتي فرق عيساوة من مختلف مناطق المملكة أياما قبل حلول العيد تقيم في خيام قرب الضريح، لتنطلق الاحتفالات يوم العيد بموكب الفرق العيساوية  بقرع الطبول وزغاريد النساء وترديد الأمداح و غيرها من مظاهر الاحتفال طيلة ثلاثة أيام.

وإلى جانب العاصمة الإسماعيلية مكناس، يعد حفل موكب الشموع أو”دور الشمع” الذي يقام في مدينة سلا التي تقع على ضفاف نهر أبي رقراق، من أبرز احتفالات الشعب المغربي بذكرى عيد المولد النبوي، حيث كان هذا الموكب يجوب مدينة مراكش وفاس سابقا في عهد السعديين وانقطع بعد ذلك، لكن استمر هذا الموكب بمدينة سلا وذلك بعناية أحد أقطاب الطريقة الجزولية الشاذلية وهوالشيخ عبدالله بن حسون صاحب أشهر زاوية بمدينة سلا، الذي عمل على ترسيخ هذا التقليد مع إضفاء بعض الخصائص المغربية عليه، كاعتماد شموع مربعة الشكل كشكل الصوامع المغربية. ومنذ ذلك الفترة إلى اليوم، مازالت مدينة سلا تحافظ على هذا الموروث الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي بل وأضحى استعراضا كرنافاليا متعدد الأبعاد.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد