نظمت أكاديمية المملكة المغربية، اليوم الخميس بالرباط، يوما دراسيا من تسيير الاستاذة حجيبة ماء العينين، حول كتاب الشعر النسوي الحساني (التّبراع)، في إطار مساعيها لتوثيق التراث الصحراوي بالاقاليم الجنوبية للمملكة، وكذا تعزيز مكون الحسانية في الهوية الوطنية.
يعتبر هذا الكتاب توثيقا للأشعار الصحراوية للنساء في الأقاليم الجنوبية، وثمرة مجهود جماعي شارك فيه عدة باحثين، من خلال جمع القصائد أو المقطوعات الشعرية، وتصنيفها، ثم ترجمتها وإخراجها في قالب موسيقي.
وفي كلمته الافتتاحية، قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل لحجمري، “إن هاته التظاهرة تأتي في إطار الاحتفاء باليوم العالمي للشعر، وتروم تجسيد وصيانة مختلف تعابير الثقافة الحسانية بالأقاليم الجنوبية، تماشيا مع مقتضيات دستور 2011″، مؤكدا على ضرورة المحافظة على هذا الشعر النسائي وتوثيقه ونشره، بالنظر إلى المكانة الاجتماعية المركزية التي يتبوؤها في الثقافة الحسانية، حيث يشكل “ديوان الناطقين بالحسانية الذي حفظ اللغة وأرخ للوقائع ويتوفر على قوة كبيرة في التعبير على المشعر والعواطف”.
وأضاف أن المصادر القديمة تغاضت عن ذكر أسماء شاعرات “التبراع، ذلك أن الشعر بوح لا تستسيغه الأعراف والتقاليد، غير أن النساء أبدعن هذا النوع من النظم، الذي تميز -في غرضه- عن باقي أنماط الشعر، لأنه غزل موجه للرجل.
من جهته، أبرز منسق مشروع كتاب “التبراع”، الأستاذ الجامعي بمعهد الدراسات الإفريقية التابع لجامعة محمد الخامس- الرباط، رحال بوبريك، أن هذا العمل يدخل ضمن الجهود الرامية إلى تثمين الثرات المادي وغير المادي في فضاء المغرب الصحراوي، مضيفا أن الكتاب يعد ثمرة مجهود جماعي بدأ بعملية تجميع المتن، التي شملت أزيد من ألف تبريعة تم انتقاء 100 تبريعة نموذجية منها، وشرحه على نحو مقتضب باللغة العربية الفصحى، ثم ترجمته إلى اللغة الفرنسية، مشيرا إلى أن تقديم الأستاذة والباحثة بالمركز الوطني للبحث العلمي بباريس، كاثرين تين الشيخ، أحد أبرز المختصات باللسانيات الحسانية، لهذا المشروع مكن من إعداد دراسة أكاديمية رصينة حول “التبراع” تضع القارئ في سياق هذا النوع الشعري وخصوصياته.
وتابع السيد بوبريك أن هذا المشروع الذي ساهمت فيه مجموعة عمل متكاملة من المغرب وفرنسا وموريتانيا وأشرفت أكاديمية المملكة على إخراجه ودعمه في مرحلتي الإعداد والطبع، يشتمل- إلى جانب المتن- على صور وتسجيل موسيقي وإلقاء للأبيات الشعرية.
من جهتها، أكدت الأستاذة الجامعية بكلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، عزيزة عكيدة، في تصريح مماثل، أن الهدف من هذا العمل الأدبي يتجلى، أساسا، في توثيق وصيانة موروث الثقافة المغربية في بعدها الصحراوي، لاسيما هذا النمط من الشعر الذي طاله النسيان لأنه مرتبط بفئة النساء، بالنظر إلى إكراهات المجتمع التقليدي المتصلة بمفهوم الحياء.
ولفتت السيدة عكيدة إلى أن المرأة الصحراوية تتبوؤ مكانة متميزة جعلتها شريكة ومسهمة في الثقافة الصحراوية، سواء العامية أو العالمة، غير أنها ظلت مغيبة عن التجربة الفصيحة.
وأضافت أن المرأة الصحراوية وجدت في شعر “التبراع” متنفسا تعبر فيه المرأة عن كل ما يؤرقها وعن حالتها النفسية، إضافة إلى القضايا القومية والانسانية.
كما ركزت الأستاذة الباحثة، في كلمتها بمناسبة اليوم الدراسي، على تعريف هذا النوع الشعري، وتفكيك جوانبه اللغوية والدلالية، مرورا بالبعد الاجتماعي الذي تنطوي عليه أبيات “التبراع”، ووصولا إلى المراحل التي مر منها هذا هذا النوع الأدبي.
وعن الجانب الموسيقي للمشروع، قال الباحث المتخصص في اقتصاد الثقافة وعلم الموسيقى والمشرف على الإخراج الموسيقي للقصائد المسجلة، أحمد عيدون، “حاولنا أن نقترب من الصوت الطبيعي للموسيقى دون استعمال المحسنات الصوتية التي يدخلها الموسيقيون عادة”.
وأضاف السيد عيدون، في تصريح للصحافة، “عملنا على الربط بين المقامات الموسيقية التي تعرف ب+أزوان+ وبين المنظومات الشعرية”، منوها إلى أن معجمية شعر “التبراع” تنهل من اللغة الفصيحة مقرونة بمصطلحات أمازيغية وزنجية.
وتخلل هذا اليوم الدراسي، الذي حضره ثلة من المتخصصين في الأدب الحساني والمهتمين بالثقافة المغربية عموما، قراءات شعرية لأبيات من شعر “التبراع” مرفقة بوصلة موسيقية.