لا شك في أن الحرية هي أساس الإبداع الفني، والكشف عن الواقع المعاش وما يحيط به مشاكل ومعيقات هو من وظائف الإبداع الفني الذي تعد خاصية جوهرية ميزت الأعمال الفنية لكبار الفنانين في العالم والتي لاقت نجاحا كبيرا واستمرارية زمكانية.
إلا أن بعض الفنانين في المغرب، وفي مجال الغناء خاصة، يصدرون أعمالا يخيل لهم أنها فنية تحتوي على كل مقومات الإبداع الفني، لكنها في الواقع لا ترقى إلى أدنى درجة من الإبداع في أبسط تجلياته، كلمات نابية متنافرة مستوحاة من كلام الشارع، نظمت في إيقاع يؤذي السمع وترفضه الآذان التي تتوق لسماع الفن الراقي.
الملاحظ في زماننا اليوم أن كل من هب و دب أصبح يقدم نفسه فنانا، أو من منظور آخر يسعى إلى توظيف ردائته الفنية لتفكيك منظومة القيم داخل المجتمع، كما أن بعض أشباه الفنانين يزعمون أنهم يقدمون أعمالا فنية تعبر عن المجتمع، أو تكشف عن التناقضات الاجتماعية، لكنهم في الواقع يدمرون القيم التي ينبغي بناءها داخل المجتمع.
حرب “الكلاش” في الراب
الكلاش هو نوع من أنواع أغاني الراب التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشرت في شتى بقاع العالم، إذ يعتبر من أكثر الفئات الموسيقية رواجا من الناحية التجارية واستماعا لدى الجمهور، ويعني مهاجمة الآخر بهدف التقليل من هيبته واحترامه، حيث ينظم “الرابور” نصه الغنائي يوجه خصيصا لخصمه أوخصومه، ويشحذ كلماته لتكون رصاصا لا يقوى الخصم على مواجهتها يعيد إلى الأذهان المواجهات الشعرية التي كانت تجمع كبار الشعراء العرب في عصر الجاهلية، ويمكن القول هنا أن “الكلاش” هو وريث الشعر العربي القديم بصيغة أكثر عصرية.
في المغرب، ومع تبوأ موسيقى “الراب” مكانة مهمة في المشهد الموسيقي منذ عقود، باتت الحروب الكلامية بين فناني هذا النمط الموسيقي وسيلة للاستفزاز للفت انتباه الجمهور وكسب الشهرة وحصد ملايين المشاهدات على موقع الفيديوهات “اليوتوب”.
مؤخرا ظهر توفيق حازب المعروف بـ “البيغ” في أغنية أثارت جدلا واسعا وهو يرد فيها على “كلاشات” مغنيي الراب الذين هاجمهوه في الفترة الأخيرة، عنونها بـ “170kg”.
واستخدم “البيغ” في أغنيته التي تبلغ مدتها قرابة ست دقائق، كلمات نابية لم ترق جمهور توفيق حازب الواسع يهاجم فيها مغنيي الراب الجدد ويعتبرهم دخلاء على “الراب”.
بدوره، لم ينتظر “حليوة” مغني الراب الشاب للرد على “كلاش” “البيغ” عن طريق إصداره لكليب بعنوان “57kg”، وانتقده بشدة معتبرا أن “الرابور” توفيق حازب يستفيد من دعم وزارة الثقافة لإنتاج أعماله، عكس المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها فن الراب.
ووجه “حليوة”، في أغنيته الجديدة وابلا من الشتائم والسباب ألى “البيغ” معتبرا إياه “باع الماتش” عند استفادته من دعم وزارة الثقافة لإنتاج أعماله الغنائية، كما شبهه بالوجبة السريعة “big mac”، ونصحه بالاعتزال لأنه فقد بريقه.
على العموم، المفروض على أهل الفن، في كل مكان، أن ينشروا القيم النبيلة والسليمة من خلال فنهم الذي ينبغي أن يكون هادفا يحمل رسالة معينة يدعون عن طريقها الشباب والجيل الصاعد عموما أن يجتمعوا كشقي مقص، على التصالح والتسامح والتعايش لا على التفرقة والعنف والحرب الكلامية التي لا تجدي نفعا.