أطفال “الهيلي”..حين تغتصب براءة الطفولة في وضح النهار

“أطفال مشردون يجوبون شوارع أحياء عدد من مدن المغرب”، هكذا تجد نفسك في مشهد مؤلم وسط عدد من احياء المدن المغربية،  حكايات تختبئ وراء عيون صغار بأجساد هزيلة ونظرات تمسح أبعاد المكان بحثا عن من يجود بدراهم يذهب أغلبها لشراء مواد مخدرة تنسيهم جحيم قساوة السب والشتم والاعتداء ضمن صور عالم حالم تصنع فقاعاته مواد “السيلي والدوليو” المخدرة.

وسط زحام المكان ترمق عيني طفلا صغيرا يستجدي عطف المارة مطالبا بدريهمات لسد رمق الجوع، يخفي “الشيفون” (منديل يستعمل لشم مواد مخدرة تستعمل في عدد من الحرف كالصباغة ونجارة)، ألاحقه بعيني وهو يهم بالجلوس على طرف أحد أسوار حديقة عمومية، ألقى عليه السلام فيرده بنبرة تكشف عيناه الجاحظتين المنتشية بنترات “الدوليو” عن خوف يمتزج بفرحة، يحدد سؤال: “أ أنا شرطي أو محسن أو عابر سبيل رق قلبه فجاء ليمنحه المرغوب”، أبعاد عالمه الصغير المنغمس في الأحلام والكوابيس، أسأله “ماذا تفعل هنا؟”، فيرد “كنترزق على الله”، “وعلاش كطلب واش معندكش واليديك؟”، ترق عيناه لتحاصره الدموع محاولا أن يخفي ضعفه الذي علمته حياة الشارع أن لا يبديه يوما وسط عالم قسوة الذئاب ومكر التعالب، يستجمع أحاسيسه، ويهمهم بكلمات “أنا معنديش واليدي”، ليحمل جسده النحيل وينصرف مطأطأ رأسه، وكأني أيقظت جرحا قديما.

تتبعت خطواته المسرعة قبل ان يختفي ما بين أزقة شارع النسيان تاركا وراءه تفاصيل قصة تشبه إلى حد كبير قصة الطفل “أحمد” الذي تخلت عنه والدته بعد طلاقها من أبيه، لتتركه عند جدته التي كبر عودها فلم تعد قادرة على أن تجاري الطفل ذي 12 سنة، الذي دفعته الحاجة الى التمرد على طفولته من أجل  كسب عبور مريح الى عوالم خفية، ستجله كائنا لا يفهم في الحياة غير لغتها، ولا يعقد فيها  أملا إلا على كيفة كسب دريهمات يستجديها من مارة يجودون بها رفقا على حاله، “أسأله كم تجني في اليوم؟”، يرد وكأنه رجل أعمال كبير يتحصل على أموال طائلة من مضاربات البورصة وأسهم الشركات، “كل نهار أو رزقو”، أبتسم قائلا: “كيفاش كل نهار أو رزقو؟”، يعيد نفس الجواب: ” مكنحسبش كل نهار أو رزقو”، “أش كادير بهذا الفلوس؟”، يجيب “كنتعاون بيهم مع مالين دار”.

 هكذا هي قصة أحمد وغيرها من الأطفال المشردين بشوارع المغرب الذين يبلغ عددهم حسب بعض الدراسات والإحصاءات غير الرسمية المئات من الأطفل، تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 15 سنة ما بين ذكور وإناث أيضًا، يعيشون جحيم التشرد بين أزقة وشوارع المدن، على الرغم من احتضان المغرب العام الماضي لفعاليات حملة “من أجل مدن إفريقية خالية من الأطفال في وضعية الشارع”.

وفي هذا السياق يقول الفاعل الجمعوي عبد العالي الرامي، أن شوارع المملكة تحتضن مآسي ومعاناة عدد من الأطفال المشردين الذين يعيشون في العراء، مطالبا من الجهات المسؤولة بضرورة اليقظة وخلق مراكز تراعي الخصوصية النفسية والاجتماعية لهؤلاء الأطفال الذين أغلبهم ضحايا أوضاع التفكك الأسري، لا تلك المراكز التي يفر منها عدد منهم ما أن يصلوا إلى أسوارها.

وأضاف الرامي أن الجميع مسؤول اليوم من اجل إيجاد حل للوضع المأساوي الذي يعيشه هؤلاء، وإيقاف حالات الاستغلال البشع التي يتعرض لها عدد من الأطفال المشردين، مبرزا أن وضع الطفولة بالمغرب يدق ناقوس الخطر ويستدعي تدخلا عاجلا من أجل محاربة ظاهرة التشرد من خلال مقاربة بنيوية تأخذ بعين الاعتبار أبعاد الظاهرة في مختلف أبعادها من الأسرة مرورا بالمجتمع وصولا إلى الدولة.

وتتحدث إحصائيات رسمية عن كون عدد المشردين في شوارع المغرب بلغ 3830 سنة 2018، منهم 241 طفلاً، في الوقت الذي تنفي فيه فعاليات حقوقية وجمعوية ذلك وترى أن العدد أكبر من ذلك، يتمركز أغلبهم بخمس جهات بالمملكة، في مقدمتها جهة الدار البيضاء-سطات، بنسبة 23 في المائة، تليها جهة طنجة-تطوان-الحسيمة بنسبة 14 في المائة، ثم جهة فاس-مكناس بنسبة 12.4 في المائة، حسب مذكرة للمندوبية السامية للتخطيط.

المصدر نفسه أكد أن عمالات الدار البيضاء سجلت أعلى نسبة من الأشخاص بدون مأوى، إذ بلغت نسبة 15.9 في المائة، متبوعة بعمالة طنجة بنسبة 7.6 في المائة، مشيرة إلى أن المدن الواقعة على محور طنجة-الجديدة تحتضن حوالي ثلث الأشخاص بدون مأوى في المغرب (33 في المائة)، نصفهم تقريبا (15.9 في المائة) يعيشون في العاصمة الاقتصادية.

يذكر ان مدينة مراكش كانت قد احتضنت فعاليات حملة “من أجل مدن إفريقية خالية من الأطفال في وضعية الشارع”، التي أكد ضمنها المرصد الوطني لحقوق الطفل التزام المغرب بجعل الرباط نموذجا بالنسبة للمغرب وإفريقيا، من خلال دينامية عمل “سيتعبأ لها كافة المسؤولين والفاعلين الحكوميين والخواص والمجتمع المدني ، من أجل أن يجعلوا من عاصمة المملكة مدينة رائدة ونموذجا بالنسبة للمغرب والقارة الإفريقية”، وهو الأمر الذي لم يتحقق لحدود الآن حيث لاتزال أحياء العاصمة وخصوصا الحي الراقي “أكدال” يحتضن عددا من الأطفال المشردين الذين أصبحوا يقلقون سكينة وأمن المارة.

المبادرة التي عرف إطلاقها مشاركة أزيد من خمسة آلاف وزيرا وكبار المسؤولين وشخصيات أممية وإفريقية هامة، وكذا حكام ومنتخبين أفارقة، بالإضافة إلى مئات الأطفال البرلمانيين المنحدرين من مختلف أقاليم المملكة، والذين تمت تعبئتهم بصفتهم سفراء لحملة “من أجل مدن إفريقية خالية من الأطفال في وضعية الشارع”، تساءل الجميع حول وضع الطفولة في قلب السياسات الحضرية وغايات استعادة الكرامة لجميع أطفال الشوارع التي أصبحت اليوم محورا رئيسيا ضمن السياسات القطاعية والمجالية لعدد من دول العالم، ورهانا إنسانيا لضمان الحق في حياة سليمة وكريمة لأطفال العالم أينما وجدوا.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد