أسعد رشدان: الدراما المغربية لا تصلنا..و أنا شديد الاعجاب بالمسرح المغربي

فنان مميز..صادق..صارم ..طموح.. كلها صفات يمكن تلخيصها في إسم الإعلامي والفنان المقتدر أسعد رشدان، الذي سطع نجمه في سماء الشاشة والإذاعة من خلال  عدد من الأعمال الفنية الوازنة.

واليوم يفتح قلبه للمصدر ميديا في حوار خاص يكشف من خلاله العديد من الأسرار الخفية التي تهم حياته الشخصية و المهنية.

1- أولا حدثنا عن ولوجك عالم الفن بالرغم من أن بداياتك كانت في الإذاعة.

لقد دخلت عالم الفن من بوابة المسرح.. عروض محلية بدأتها في بلدتي عمشيت، حيث اتخذت المبادرة وحضّرت مسرحية كان عنوانها: “البطولةُ الخالدة” ،  كنت في السابعة عشر من عمري سنة 1970 حيث تتحدّث المسرحية عن والد ضحّى بحياته من أجل ابنائه،  حضّرت يومها كل شيء، من النص الى الإخراج الى الملابس والديكور والموسيقى والإضاءة والتحضيرات اللوجستية، كان العرض يومها لمرة واحدة، ولكنه استمر لثلاثة أيام بسبب نجاحه، كانت من اجمل البدايات العفوية غير المستندة الى اية خبرة او معرفة أو اية استشارة أو مساعدة.. عشرة اصدقاء تعاونوا لانجاح العمل دون كلل او ملل، مما دفع أحد المشاهدين وكان يدرس مادة المسرح في الجامعة اللبنانية، الذي تبنّي هذه المجموعة وتأسيس محترف للمسرح في نادي عمشيت الرياضي الثقافي الإجتماعي والذي كان من أرقى النوادي في لبنان و ما زال هذا المحترف يعمل حتى اللحظة تحت إشراف الأستاذ نفسه الدكتور “إيلي لحود” مؤسّسه، والذي أصبح مدرسّاً في الجامعة لمادة المسرح ورئيساً لهذا القسم لفترة طويلة.

بعد محاولتي الأولى ومبادرة الدكتور لحود، لعبت معه الأدوار الرئيسية لفترة ليست بقصيرة الى أن دخلت الجامعة بتشجيع منه ومن أساتذته الذين كانوا يشاهدون عروضنا باستمرار، وفي سنتي الأولى في الجامعة كانت البداية في المسرح الكبير على مستوى الوطن، وعلى الشاشة الصغيرة والتي كانت يومها شاشة واحدة لكل لبناني وكانت البرامج توزّع على كل الدول العربية قبل بروز الفضائيات وانتشار الفنون بالشكل الحالي، وبدأت الرحلة الطويلة مع تعدّد الإذاعات، حيث كان لي شرف المشاركة بتأسيس إحداها، والتي ما زالت تعمل حتى الساعة وهي من أهم الإذاعات اللبنانية حالياً، عنيت “إذاعة لبنان الحر”.

2 – أسعد رشدان مشتهر بصرامة طبعه وصراحته ..ألم يشكل لك هذا عائقا خلال مسيرتك الفنية و المهنية؟

للأسف، العالم العربي لم يكن بعد معتاداً على تقبّل هذا الطبع؛ ولكنّ ذلك لم يمنعني من الاستمرار في ما انا مؤمن به حتى الساعة، كان شعاري قول الحقيقة مهما كانت صعبة؛ ففي النهاية هي الثابت الوحيد، الذي كان السبب الأساس في تقدّم الغرب وتحلّل العالم العربي، هذا العالم الذي كان على مرّ العقود والقرون رائداً في كل المجالات الانسانية والاجتماعية والعلمية والفنية، التي كانت مصدر الحضارة الغربية وتقدّمها وتفوّقها لاحقاً.

لم افكّر يوماً بطريقة انانية أو شخصانية ولا زلت والحمد لله لم تتأثّر مسيرتي الفنيّة ولا الإنسانية سلباً باتباع هذا المنحى الصادق والصريح والذي أساسه الحرية الصحيحة المسؤولة، رغم ابتعادي عن البلد لمدة خمسة عشر سنة متواصلة، فعدت حرّاً صارخاً ناطقاً بكلمة الحق، والتي وضعت كل الناس امام ذواتهم، فلم يستطيعوا أن يتخطّوني رغم البعاد، فعدت أقوى مما كنت عليه والحمد لله. فحصلت على جائزة أفضل ممثل عن اول مسلسل شاركت فيه بعد الغربة الطوعية الطويلة، وكرّت السبحة. وأعمل الآن مع الشركات والأشخاص الذين رفعت الصوت عاليا ضد ممارساتهم غير المحقّة على مدى اربعين عاماً، من زملاء وشركات انتاج مسرحيّ وتلفزيونيّ وسينمائيّ. وعند أي انتقاد كنت أجيب: أنا انسان قبل أن أكون فناناً، ولن أتخلّى عن انسانيتي مهما كانت الأثمان باهظة. والله وليّ التوفيق…

3 – إلى أي حد يمكن أن تؤثر السياسة على الممارسة الفنية عموما؟

انطلاقاً مما تكلمت عنه سابقاً، أُعطي مثلاً حياً عن صديقي وقريبي وابن بلدتي عمشيت، الكبير “مرسيل خليفة” . كنا على تناقض عميق في السياسة، وقد كان ملتزماً خطاً سياسياً مغايراً لمعظم اللبنانين. لكنّ التزامه الصادق والراسخ، جعل منه ولو بعد حين، مثالا يحتذى ليس لكل اللبنانيين فحسب بل لكل العالم العربي بكل فئاته وتوجاتهم السياسية بل وللعالم أيضاً. الكل يردّد أغانيه اليوم من كل المشارب والمذاهب السياسية. فقضيّته كانت محقّة وعادلة وهو ما ضاع في الزواريب السياسية الضيقة، ولا سخّر فنّه لقائد أو لزعيم او لسياسيّ. ولم يحد يوماً عن الخط المستقيم الذي رسمه لنفسه، وهذا بالذات ما جعله يفرض احترامه على الجميع، هذا الاحترام المبني على الصدق والحرية المسؤولة والتزام حدود الأخلاق الحسنة واحترام الآخرين ومبادئهم.
اختلفت معه في السياسة من اليوم الأول، لكنّ هذا الاختلاف في الرأي السياسي لم يُفسد للودّ قضية. وبقينا اصدقاءاً حتى اللحظة، ولن يفرّقنا الا الموت، رغم الانتقادات اللاذعة من رفاق الطرفين.
البقاء الدائم هو “للصدق والصراحة والوفاء والحرية المسؤولة والثبات على المواقف والعهود” . مهما طال الزمن… فالسياسة بالنهاية هي رسالة مجيدة لإدارة شؤون المجتمعات باتجاه الأفضل لها، وليست كما هي في مجتمعاتنا، كذب وعصابات تعمل لمصالح أفراد بأنانية وجشع مطلقين، ضاربة بعرض الحائط مصالح الشعوب ومستقبلها ومصير الأجيال.

4 – ما هي المعايير التي تعتمدها في اختيار أدوارك الفنية؟

قد يكون جوابي غريبا بعض الشيء لكنني سأكون صريحاً وواضحاً كما أنا دائماً.
الأخلاق ثم الأخلاق ثم الأخلاق.

5- كيف ذلك؟

سؤال طبيعيّ…قناعتي الراسخة هي أن الممثل هو من يصنع الدور،  لذلك، إذا كان الممثل جديراً، فهو من يعطي أهمية للدور الذي يجسّده وليس العكس. فكم من ممثل كان بين يديه دور كبير ولم يستطع أن يوفي هذا الدور حقه في الآداء، فسقط وأسقط معه الدور والبرنامج كله. يحصل هذا، عندما يختار المنتج شخصاً ذا مظهر خارجي حسن، ومقابل ماديّ بخس بهدف التقنين والربح الرخيص، فينتهي بخسارة كل شيء. وهذا نوع من التجارة الفاشلة. لذلك، فانا لا اهتم لكبر الدور أوصغره. المعيار هو البرنامج بحد ذاته على ان يكون بالمستوى الجيد قصة وسيناريواً وحواراً، والأهم، أن تكون العلاقة بيني وبين المنتج والمخرج مبنية على الأخلاق بالتعاطي والاحترام المتبادل. فانا اعمل مع منتجين مثلاً دون الالتفات الى الدور نهائيا، انطلاقا من ثقتي بأن هذا الانسان لا يساوم على جودة اعماله لا من ناحية النص ولا من ناحية اختيار الممثل المناسب للدور المناسب.

كما الالتزام الأدبي والأخلاقي بالاتفاقات المعقودة بين الطرفين، شفهية كانت ام مكتوبة، فبحضور الأخلاق الجيدة، لا تُنقَض العقود الشفهية، ولا العقود المكتوبة تدوم بوجود الأخلاق السيئة، واكثر من ذلك، أعتبر أن لا أوطان تبنى إن لم تكن أساساتها مرتكزة الى الأخلاق الحسنة وحسن النوايا.

6- ماهي الأسباب التي جعلتك تغادر لبنان؟ وما هي الأسباب التي جعلتك تعود من الغربة إلى بلدك من جديد؟

سؤال حكيم يختصر الزمن.
هناك سببان للرحيل وسبب واحد للعودة.
أسباب الرحيل:
انتفاء الأخلاق الحسنة على المستوى الوطني وعلى المستوى الاجتماعي وضمنا الفني. واختصر بالقول أنه على المستوى الوطني تقدّم نحو الأسوأ، وها نحن اليوم كشعب ضُربت به الأمثال في السابق حتى الحسد، يعاني من سوء الإدارة السياسية والفساد وانعدام أبسط مقومات الحياة الكريمة. كذلك الأمر كان بالنسبة الى الوضع الفني آنذاك والذي تقدّم مشكوراً الى الأفضل بسبب روح المبادرة الفردية اللبنانية التي تحسن التكيّف مع الظروف في القطاع الخاص، ولوجود جو المنافسة المشروعة التى هي أساس النجاح في كل القطاعات وعلى مستوى العالم ككل.

سبب العودة:
لا أخفي سراّ إن قلت إني ما زلت فاقداً الأمل من قيامة الوطن. إذ لا وطن يرجى في ظل نظام طائفي تديره طغمة حاكمة تستغل هذا النظام، انطلقت من الأزل ومستمرة الى الأبد بمباركة شعب خمول شعاره على الطريقة اللبنانية :
“حايد عن ضهري، بسيطة.”
فلا إرادة تغيير عند الحاكم ولا قدرة او محاولة تغيير حتى، عند القاعدة. الحاكم يعتمد سياسة التطنيش أي اللامبالاة، والشعب يعتمد سياسة الفايسبوك والنق فقط لا غير… وكل المحاولات الأخرى من الطرفين تبقى خجولة ولا تغني عن جوع.

اما على المستوى الخاص والشخصي، فقد كنت اثناء غربتي، على اطلاع دائم على الأحوال السياسية والفنيّة وعلى تواصل مستمر مع بعض الزملاء وبعض القيمين على الساحة الفنية. ومن ضمن هؤلاء الزميلة والصديقة السابقة الكاتبة الممثلة “منى طايع”، والتي كانت مصرة على عودتي، لما كان يربطنا من محبة واحترام متبادلين وتقدير للمواهب المتواضعة التي يتمتع بها كلانا. ففي آخر زيارة قمت بها الى لبنان، وقد كنا على تواصل مستمر، عرضت علي المشاركة في مسلسل “أمير الليل” مع السوبر ستار الحبيب “رامي عياش” الذي أُجلّ وأحترم، فوافقتُ بعد القراءة، مع ما تتطلب هذه الموافقة من قرارات صعبة عليّ اتخاذها، ليس أقلها إدارة الظهر لكل ما عملت عليه في الغربة خلال اربع عشرة سنة، مع المراهنة على قدرة الانطلاق مجددا في هذا المجال بعد الانقطاع الطويل، وعلى إمكانية المنافسة والاستمرار، مع الأخذ بعين الاعتبار ظروف البلد السيئة وصعوبة العيش فيه، في ظل تراجعه الى ما دون الحضيض.

تعبي من الغربة، وخوفي من خسارة نهائية لكل ما زرعته في هذه المهنة طوال الفترة الأطول من حياتي، دفعاني الى الموافقة على هذا العرض، على الرغم من وجود محاولة سابقة باءت بالفشل بسبب ظروف الانتاج يومها، وكانت مع مسلسل “عشق النساء” للكاتبة نفسها ولأسباب كانت خارجة عن إرادتها.

توكّلت، حزمت حقائبي، اقفلت منزلي، ودّعت أولادي وأحفادي وعدت وزوجتي في غربة مضادّة، على أمل أن تكون هي الأخيرة.

آليت على نفسي أن أتحمّل كل السيئات التي تتحكّم بوطني، في مقابل وأد الحنين، والالتقاء مجدّدا برفاق الدرب والاصدقاء والأهل والأقارب، لقاء ضريبة باهظة الا وهي الابتعاد المؤلم عن الأبناء والأحفاد، على أمل اللقاء الأعم والأشمل، في حال منّ علينا المولى بنعمة العيش في وطن حقيقيّ نظيف منشود نستحقه عن جدارة.

7-هل يمكن أن تحدثنا عن أعمالك الفنية الجديدة؟

حاليا يُعرض لي على شاشة الMTV اللبنانية مسلسل “سكت الورق” من كتابة الأستاذ مروان نجار وإنتاج شركة NMpro وإخراج الأستاذ “نديم مهنّا”، والعمل جارٍ على ثلاث مسلسلات لتكون جاهزة لشهر رمضان المبارك:
مسلسل “ومشيت” للكاتبة “كارين رزقالله” إنتاج شركة The third eye إخراج الأستاذ “شارل شلالا” مخرج “وأشرقت الشمس” لمنى طايع.
مسلسل “طريق” عن قصة الكاتب الكبير “نجيب محفوظ” انتاج شركة “صبّاح ميديا” إخراج الأستاذة “رشا شربتجي”.
مسلسل “موت أميرة” نص “طوني شمعون” إنتاج شركة “مروى غروب” إخراج الأستاذ “عاطف واكيم”.
مسلسل “بردانة أنا” النص للأستاذة” كلوديا مرشليان” إنتاج شركة NMpro وإخراج الأستاذ “نديم مهنّا”.
كما يستمر عرض مسلسل “أصحاب تلاتة”
نص” آية طيبا” إنتاج شركة مروى غروب” إخراج الأستاذ “إيلي السمعان” على شاشة ال MTV.
كما سيعرض الجزء الثاني من مسلسل “الحب الحقيقي” الذي انتهيت من تصويره، من كتابة “لمى مرعشلي” و” باسكال حرفوش” إنتاج تنفيذي لشركة G8 بإدارة الأستاذة “ماي أبي رعد” إخراج الأستاذ” جوليان معلوف”
يعرض الآن في صالات السينما اللبنانية فيلمان شاركت ببطولتهما :
فيلم بعنوان “نص ساعة” بطولة الكوميدي اللبناني” عباس شاهين” و “تاتيانا مرعب” نص “كلوديا مرشليان” انتاج شركة NMpro وإخراج الأستاذ “نديم مهنّا”.
فيلم “ولاد النواب” بطولة “ماريبال طربيه” و” جاد حديد” نص” داليا حداد” انتاج شركة HGproduction إخراج “فوزي بشارة”…

8 – الفن ..الإعلام أو العمل السياسي؟ ولماذا؟

مهنتي الفن، شغفي السياسة، والإعلام منارة تضيء الفن والسياسة أو تطفئهما.
السياسة مصنع الأوطان. في الوطن يولد الفن ويترعرع وينمو. والإعلام يراقب الإثنين ويتحكّم في مصيرهما. فلا غنى لأيّ من الثلاثة عن بعضهم البعض. لذا أنا امارسهم سوياّ بقناعة راسخة وفي خطّ مستقيم الذي هو الطريق الأقصر الى الحق والحقيقة، لبناء الوطن المنشود والهدف الأسمى في الحياة.

أما بالنسبة للدراما المغربية فإني أعتذر عن القول بأنها لا تصلنا البتة. لا أعرف لماذا لا تصلنا، مع العلم أننا نتلقى المصرية والسورية والتركية والمكسيكية والأميركية والفرنسية وغيرها…
أما المسرح المغربي فإني معجب به شديد الإعجاب وقد كان لي شرف المشاركة في مهرجان الشباب العربي الرابع في المغرب الحبيب بمسرحية لبنانية من كتابة الاستاذ “انطوان غندور” وإخراج الاستاذ “أنطوان كرباج” ومن بطولتي بعنوان”لحن الى أرض السنابل” مع مجموعة من الزملاء اللبنانيين في الثمانينيات من القرن الماضي، تعرفت من خلال المهرجان على ابداعات المسرح المغربي وبعض القيمين عليه.

في النهاية لا بد من الشكر الكبير للقيمين على موقع” المصدر” ولكل من  ساهم في تحضير وانجاز هذا اللقاء الشيّق والاهتمام بالنشاط الفني والدرامي اللبناني.

تحية من القلب للمغرب الحبيب، على أمل الوصول الى يوم تعم فيه الثقافة العربية المتنوعة والغنية، فنصل بعالمنا العربي الى الغاية الأسمى ونحتل مقعدنا المتقدّم الى جانب المتقدّمين من الأمم في شتى المجالات…

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد