أساتذة التعاقد وأزمة الثقة

دخل ”الأساتذة المتعاقدين”، بعد أن وحدوا الصفوف تحت لواء” التنسقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد”، وخاضوا عدة أشكال نضالية (إضراب، وقفات احتجاجية أمام المديريات الإقليمية، مسيرات بالرباط …) حاملين شعار “الإدماج او البلوكاج”، الدولة في حيرة من أمرها، بعد ان أصبح الحل لسد الخصاص بقطاع التعليم جزءا من المشكل إن لم نقل أحد اهم مشاكل الحكومة ووزارة “أمزازي”، بعد الإنقلاب على النظام الأساسي لأطر الأكاديميات الذي يلتزمون فيهــا بعدم المطالبة بالإدماج في الوظيفة العمومية، والذي يعتبر البعض مضامين عقده ‘على انها مضامين عقد “إدعان”.

إن الإنقلاب الذي يتجاذب أطرافه الإتهامات، بين المشروعية وعدمها، يمكن أن يقرأ في سياق أكبر من بعده القانوني، فإعتماد نظام التعاقد لتوظيف المدرسين ليس أمرا جديدا وخاصا، بل إن العديد من الدول تعيش تجارب التوظيف في التعليم بالتعاقد، من مثل فرنسا وإسبانيا وإنجلترا والسويد…، لكن الأكيد ان شروط وظروف التعاقد داخل بنية النظام المغربي، وضمنه مجموعة من الدول النامية التي لجأت لتوظيف المدرسين بنظام التعاقد، تبقى مسألة ثقة بشكل كبير، في ظل ضعف الحكامة وتغييب المقاربة التشاركية في تدبير الشأن العام وفي تطبيق القوانين والضبط والمراقبة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتفشي ظواهر الرشوة والمحسوبية، و طبيعة التفاوتات الاجتماعية المهولة وانتشار الفقر والتهميش واستفحال البطالة وخاصة بطالة حاملي الشهادات…، وغيرها من الأمور التي تجعل من مسألة خلق الثقة بعيدة كل البعد عن إمكانيات التحقق، في ظل واقع يدفع يوميا إلى التشكيك في كل فعل  أو براءة أي مشروع تقدوده الدولة والحكومة، عكس التجارب المقارنة ضمن الدول المتقدمة التي تعرف انظمتها نوعا من الوضوح والثبات وسيادة الشفافية والتأطير العقلاني المدروس والمحسوب علميا وعمليا بمحددات قراءة تبحث في كل ابعاد الظواهر (الإجتماعية، النفسية، السياسية…)، ضمن سياق من الديموقراطية والصرامة في احترام وتطبيق القوانين و عقلية وثقافة تلازم الحق بالواجب، االامر الذي ينشر مناخا من الاستقرار والثقة والاطمئنان النفسي والاحساس بقدر من المساواة أمام القانون وبالتالي الانخراط في العمل المنتج و تجويد الاداء (الضمير المهني) كعنصر أساسي لإسهام في عملية التنمية.

كما تجد أزمة الثقة في نظام التعاقد، في طبيعة العلاقة القائمة داخل القطاع الخاص، وأزمة الثقة فيه، فالكثير من أساتذة التوظيف التعاقدي، قبل الإنخراط في نظام التعاقد قد قضوا سنوات من الخدمة الفعلية كأساتذة بالتعليم الخصوصي، وكانوا يمارسون في ظل علاقات شغلية غير متوازنة تميل كلية لرب العمل/ صاحب المشروع، والبعض الآخر اشتغل في القطاع الخاص (شركات) أو بالتعليم الأولي أو ببرامج محو الأمية في ظل ظروف غير محفزة، والبعض الثالث كان في حالة عطالة.

إلا ان الحقيقة ورغم كل ما يثار حول نظام التعاقد بعد أن رفعت الدولة (الوزارة الوصية)، يدها عن التوظيف وأرمت به في مرمى الأكاديميات، في إطار “رؤية رسمية” تسير في اتجاه تجاوز المفهوم التقليدي للوظيفة (الوظيفة العمومية) وتوسيـــع دائرة التشغيل بالتعاقد في عدد من القطاعات، تبقى رهينة بمشروع مجتمعي يتجاوز الأساتذة، ويلقي بظلاله في متاهات نظام لايزال يعيش “أزمة ثقة” حادة.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد