أزمة فرنسا …

كتبت : الدكتورة العالية ماء العينين 

نحن اليوم وأكثر من أي وقت مضى نحتاج إلى علماء ومفكرين بدون أية خلفيات ايديولوجية مقيتة، للنظر في جانب كبير من تراثنا الإسلامي الذي تداخل فيه “الدين” مع ما أرادته السلطة السياسية، طيلة التاريخ الاسلامي وما رسخته من قوانين ومبادئ لخدمة مصالحها الخاصة…


نحتاج إلى علماء من طينة أولئك الذين قاوموا على امتداد التاريخ ودفعوا من حياتهم وحريتهم ثمنا باهضا للإبقاء على نور العقل متقدا بدون حسابات ضيقة ومبادئ حربائية.


هذا ما يجب أن نفكر فيه بعيدا عن ردود الأفعال والانفعال. هذا جانب يخصنا ضمن مجموعة كبيرة من متطلباتنا ومشاكلنا الخاصة بكل منطقة..


أما مشكلة فرنسا (التي حصرتها اليوم في الإسلام) أنها لا تريد الاعتراف بأن أزمتها داخلية ولا علاقة لها بالمسلمين أو الأفارقة أو كل الدول والثقافات التي تشكل مرجعية لمواطنيها عموما…


مشكلة فرنسا داخلية وأبطالها فرنسيون ولدوا في فرنسا وتعلموا في مدارسها وانحرفوا أو تطرفوا في حواريها.
الاسلام ليس “ضيفا” على فرنسا، تحمله أمراضها ومشاكلها وتطرده متى شاءت وتحاكمه متى شاءت، الإسلام معتقد، نسبة كبيرة من ” الفرنسيين”. وإذا كان ماكرون يرى كمسؤول ورئيس، بأن الإسلام- في بلده- يعيش أزمة(حقه)، فإن التعامل معها يجب ان يكون خاصا ببلده ومواطنيه، والدولة مضطرة للتعامل معها كما تتعامل مع معتقدات كل مواطنيها، وفي مقدمتهم الكثير من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا في احترام كامل لمبادئها وقوانينها، ويعانون اليوم من الرفض، وتحميلهم مسؤولية تصرفات “مرضية” لأشخاص آخرين لمجرد أنهم يحملون نفس العقيدة حتى ولو كان الأمر مجرد ارتباط شكلي ، وحتى لو لم تكن لهم اية علاقة بالاسلام كاعتقاد عن قناعة …


لا يحق لرئيس دولة مسؤول، يحترم وضعه وعلاقاته مع الآخر، أن يطلق كلاما عاما يحاكم فيه الناس ومعتقداتهم وثقافتهم وكأنه الحاكم المطلق للعالم …


من جهة اخرى، يجب أن نفكر قليلا في مسألة “القدسية” ولا يجب أن نربطها فقط بالشخصيات الإسلامية، لأن القدسية قد ترتبط بالأشخاص وقد تكون رموزا وقد تكون أماكن أو أحداثا…


عندما تدافع فرنسا عن قانون تجريم ” رفض الاعتراف بالمحرقة اليهودية” وتتبناه، فهي تحافظ على مشاعر جزء من مواطنيها. رغم انها احداث تاريخية قابلة لكل القراءات ورغم ان ما حدث من بشاعات لليهود، لم يكن فريدا وعانت منه شعوب اخرى على يد فرنسا نفسها وعلى يد اسرائيل.


فرنسا مطالبة بأن تحل مشاكلها مع مواطنيها المسلمين- المتطرفين- تماما كما فعلت وتفعل مع مواطنيها من خلفيات دينية وعرقية متنوعة…


أخيرا، احترام مشاعر الناس ومعتقداتهم لا يخالف حرية النقاش.


يمكن أن لا تعترف بمحمد نبيا وتنتقد رسالته وتقول ماشئت، ومن حقك ان لا تعترف ان “بوذا” الاها، وان “المسيح ” ابن الله ….ولكن من حق جارك عليك ان تحترم شعوره بعدم الإساءة و”التنمر”.


أما الذين يواجهون الفكرة بالقتل فهم أشخاص يحملون في اعماقهم دوافع ارتكاب الجرائم، تماما كالذين يقتلون من أجل سرقة هاتف نقال او برتقالة أو لإشباع غريزة حيوانية…

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد