وهبي: “مقاصد الشريعة لابد من جعلها الأداة الأساسية للقيام بأي عملية تأويل أو تجديد”

قال وزير العدل عبد اللطيف وهبي، إن “ما يعرفه العالم اليوم من تطوراتٍ سريعةٍ، وَمُقْتَضَيَاتٍ وتحدياتٍ وإكراهاتٍ متواصلةٍ غير محدودة، وحوادثُ ومستجداتٍ غير متناهيةٍ، يلزمنا بضرورةِ استيعابها ضمن منظومتنا الدينية، وتقوية قدراتنا للتجاوب معها بفعالية وإيجابية، حِرْصًا مِنَّا على الِانْخِراطِ في مسارات التحديث القانوني والمُؤَسسِيِّ، وابْتَغَائِنَا لما فيه مصلحة الفرد والجماعة، واستفادتنا من كل المكتسباتِ الكونيةِ والحقوقيةِ ولا يمكن ذلك إلا بفكر مقاصدي، يفتح أمامنا سُبُلَ الاجتهاد والإبداع، ويَمْنَحُنَا وسائل التَّفاعُلِ مع النص الديني بقراءات متجددة، وآليات مُسْتَحْدَثَةٍ للتجديد، وإعادة النظر في التشريعات والقوانين المرتبطة بواقع الناس ومعاشهم اليومي”.

وأضاف وزير العدل في مداخلته بالندوة التي نظمت بمؤسسة الفقيه التطواني، حول موضوع: “”لا أحل ما حرم الله ولا أحرم ما أحل الله”: بين الدلالة الشرعية والتوظيف الإيديولوجي”: “التشريعات الدينية لَمْ تَتَنَزَّلْ عَبَثًا وَلَا كَانَ تَقْنِينُها بِغَيْرِ أهدافٍ ومقاصدَ واضحةٍ ومعلنةٍ، وإنما شُرِعَتْ لتحصيل مقاصد مرجوة، والغرض منها، ابتداء وانتهاء، هو تحقيق مصالح الناس وتيسير حياتهم، وقد رُوعِيَ فيها حفظ الضروريات التي لابد منها في حياة الفرد، سواء تعلق الأمر بِالضَّرُورِيَّاتِ التي نص عليها الفقهاء قديما، وهي حِفْظُ الدينِ والنفسِ والعقلِ والنَّسْلِ والمال، أو ما اسْتَحْدَثَ من ضروريات تبعا لتطور الحياة الإنسانية، والتَّرَاكُمِ التاريخي لمسيرة الإنسان الحقوقية، وتبعا، أيضا، لتطورات الحياة الاجتماعية وتعقيداتها المُرَكَّبَةِ، مما جعلها ضرورة للاجتماع البشري وأساسا للحياة المعاصرة، كما رُوعِيَ فيها أيضا ما يسميه الفقهاء بِالْمَصَالِحِ الْحَاجِيَةِ، والغرض منها رَفْع الحَرَج عن الناسِ، والتيسيرِ عليهم، ورفع الضّيقِ أو العَنَتِ عنهم، إضافة إلى مكارمِ الأخلاقِ ومَحاسِنِ العادَةِ، مما يعرف بالتحسينيات. وَلَوْ أَنَّهَا تُعَدّ، بِحَقٍّ، مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ لَا مِنْ التَّحْسِينِيَّاتِ؛ خَاصَّةً فِي ظِلِّ الأَزْمَةِ اَلْأَخْلاقيَّةِ اَلَّتِي بَاتَ يُعَانِي مِنْهَا عَالَمُنَا المُعاصر”.

في ذات السياق،أكد وهبي “أن مقاصد الشريعة تعني جلب المصلحة ودرء المفسدة، وتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولا يكون ذلك إلا باعتبار المقاصد دليلا يعلو على الأدلة الفرعية والجزئية، بل هي القطعيُّ الذي لا يمكن المس به ولا تجاوزه، فقد وصفها الشاطبي بأنها “أصولُ الدين وقواعد الشريعةِ وكُلّيّات المِلَّةِ”، وجعلها الطاهر بن عاشور في منزل القطعياتِ من الدين أو ما هو قريب منها، ولابد من أجل ذلك من القيام بعملية تجديدية يقوم عليها أهل الشأن والاختصاص، لا تكون مقصورة على فروع المسائل وجزئياتها، وإنما على طرق الاستنباط وأصول الاستدلال، وتجاوز المناهج التقليدية المرتكزة على القراءة المباشرة للنص الديني، والعناية بالمعنى الحرفي للنص ودلالاته اللغوية، إلى النظر في دلالات المقصد، وجعلها أولوية عند التعارض، ومرجحا عند الإشكال، وكما كانت إمكانيات التخصيص والتقييد والتأويل متاحة بالنص الديني نفسه، فإن المقاصد لابد من جعلها الأداة الأساسية للقيام بأي عملية تأويل أو تجديد، والفاصل في تحديد النصوص العامة وتخصيصها، وليس بناء على قواعد منطقية أو لغوية كما جرى عليه الأمر في المناهج التقليدية، وكل هذا يعيد لمنظومة القيم والأخلاق التي جاء بها الدين مكانتها الرئيسية، لتصبح المرجعية الأساس لكل الأحكام والفروع الفقهية”.

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد