بقلم: ذ : ماء العينين ماء العينين
ونختم هذه السلسلة الرمضانية. من(ومضات من سيرة العظيمات زوجات الرسول ص ) العطرة بسيدتين استثنائيتين من هذا البيت الكريم ،إنهما:رملة بنت أبي سفيان،وزينب بنت جحش رضي الله عنهما،أولاهما:
_أم المؤمنين(أم حبيبة)،وقيل اسمها هند،واستقر الرأي على إسم رملة وبه قال الكثيرون.
هي بنت زعيم قريش وسيدها المطلق، ورأس المشركين قبل الفتح. هي تلك العظيمة التي مالانت، ولا استكانت لقوة وجبروت والدها أبوسفيان،وزوجته القوية، الجبارة والعنيدة هند بنت عتبة، تلك التي لاكت كبد عم الرسول الكريم يوم أحد وإن كانت بعض المصادر تنفي ذلك،بل أعلنتها صرخة مدوية في بطاح ووهاد وشعاب مكة المكرمة، وذلك بدخولها في الإسلام، وخروجها مع زوجها عبيد الله بن جحش الأسدي -أسد خزيمة-من مكة المكرمة مهاجرة الى الحبشة في الهجرة الثانية، صابرة ،محتسبة مشاق السفر والغربة والإبتعاد عن الأهل والعشيرة.
تنصر الرجل هناك،ورجع الى معاقرة الخمر وتعاطي ماحرمه الشرع، وبقيت رملة ثابتة على دينها عاضة عليه بالنواجذ ممتنعة وبقوة. عن متابعة زوجها في ما ذهب إليه حتى مات على نصرانيته .عانت العظيمة الشيء الكثير بردة زوجها الى النصرانية، ولكن قوة إيمانها، وصلابة اعتقادها، كانا لها صمام أمان، وخير معين، وأحسن زاد على تحمل الصبر والثبات.وكانت مكافأتها على ذلك أن أصبحت في بيت النبوة.
يعجبني في العظيمة رملة ،ذلك الموقف الكبير الذي اتخذته في مواجهة والدها الرجل القوي الشكيمة المهاب من طرف قريش:يروى أن زعيم قريش وسيدها بلا منازع، وفد على الرسول الكريم في المدينة طالبا منه الزيادة في هدنة الحديبية والرسول ص حينئذ على وشك غزو مكة. لم يلب عليه السلام طلب زعيم قريش، عرج الأب على إبنته ، وأراد الجلوس على فراش النبي ص ،فما كان منها إلا أن طوته دونه، إستشاط العظيم غضبا قائلا، في أنفة وكبرياء وتعال:يابنية، أرغبت بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟،فقالت بل هو فراش رسول الله ص، وأنت امرؤ نجس مشرك. لم تجامل في العقيدة أباها الذي أنجبها، ولالانت شخصيتها أمام عظمته وقوته.
تلك هي أم المؤمنين سيدتنا رملة زوجة الرسول العظيم وسليلة بيت العزة والشموخ ض.
ثانيتهما:
-أم المؤمنين زينب بنت جحش ض.
السيدة برٌَة،أو زينب كما سماها صلى الله عليه وسلم، والدها يدعى جحش بن الرباب، وأمها هي أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي الكريم.
من أوائل نساء قريش اللواتي أسلمن وبايعن الرسول الكريم، ومع ذلك فلم يمنعها إسلامها، ولابيعتها له من أن تقول له عليه السلام-وهو يعرض عليها الزواج من ربيبه الذي أعتقه وتبناه-إنها لا ترضاه لنفسها زوجا، حتى ولو قال لها نبيها وقريبها إنه يرضاه لها.
بقيت العظيمة متشبثة برأيها، مدافعة عنه بكل ماأوتيت من قوة.لارغبة لها في الزواج بحِب الرسول زيد بن ثابت حتى ولو كان ممتلئا علما وحكمة،ومكانة سامقة بين الشباب في الدين والإستقامة، فلا إيمانها القوي بما جاء به الرسول ثناها عن قناعتها، ولا قربها منه، ليٌَن من صلابة موقفها حتى نزل قوله عز وجل:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى ألله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).عندها لم يبق للعظيمة من خيار سوى الإنصياع لقضاء الله عز وجل ورغبة رسوله ص.
زفت شريفة النسب، كريمة المحتد، الجميلة الحسناء،والوضيئة الى(العبد)المغمور الذي لا أصل له ولا فصل في نظر ذلك المجتمع الذي مازال مغلولا بتقاليد الجاهلية وعادات القوم.استجابت المؤمنة لقضاء الله، وهذا أقصى مايمكن القيام به من طرفها، ماجادلت ولاناقشت في ذلك، بل امتثلت لأمر ربها ورغبة رسولها طيعة،سلسة،منصاعة ، ولكن القلب له رأي آخر وهو مالم تستطع سليلة الأكابر التحكم فيه ولا ثنيه عنه.لم ينشرح ولا لحظة واحدة لزيد، ولا تراجعت أنفتها وكبرياؤها قيد أنملة عن التعالي والصدود عنه ،حتى كان الفراق بعد إلحاح الزوج على الرسول بتلبية رغبته في ذلك وثنيه مرارا عنه.
انقضت عدة الشامخة، فأرسل لها ص -استجابة لما أمره به ربه-مبديا لها رغبته في الإقتران بها. لم تسارع السامقة إلى إبداء رأيها
ولارغبتها في ذلك،أو إظهار عظمة ماعوضها الله به، بل قالت في عجب وأنفة وكبرياء لمن نقل إليها تلك الرغبة:
ماأنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي، فقامت إلى مسجد لها فصلت ركعتين، وناجت ربها قائلة:اللهم إن رسولك يخطبني فإن كنت أهلا له،فزوجني منه،وعندها نزل أمر ربها الذي بمقتضاه تم زواجها منه ص.وبذلك أصبحت تتيه وتفتخر على غيرها من نسائه عليه السلام بالقول:زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات، بل وصلت بها عزتها واعتدادها بنفسها أن كانت تقول له ص :إني لأدل عليك بثلاث،مامن نسائك امرأة تُدِل بهن:إن جدي وجدك واحد،وإني
أنكحنيك الله من السماء، وكان جبريل السفير في أمري.
هي العظمة والأنفة والكبرياء، في أبهى صورها وأحسن تجلياتها.
فاليرحم الله أم المؤمنين زوجة الرسول الكريم وبنت سيد قريش ،وسليلة بيت المجد والشرف السيدة زينب بنت جحش ض