قالت صحيفة الغارديان البريطانية، إن تغيير أنماطنا الغذائية التي من شأنها تقليل انبعاثات الإنسان الكربونية قد يكون ضمن الحلول الرامية لإنقاذ الأرض من مشكلة الاحتباس الحراري، ويشمل ذلك اللجوء لتناول الحشرات أو حتى اتباع نمط غذائي خضري.
وأكدت الصحيفة أن التفكير في ارتفاع مستويات البحار وموجات الحر الأكثر شدة يجب أن يكون كافيًا لإبقاء الجميع مستيقظين في الليل، إلا أنه رغم العلم بأن الأوضاع تزداد خطورةً فإن معظم الناس مشغولون بالعمل ومواعيد زيارة الطبيب ودفع الفواتير، وهذه المخاوف المباشرة تحظى بالاهتمام الموصول لدى الجميع في كل مرة.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، الذي صدر الأسبوع الماضي، فإنه أمام البشر 12 عامًا فقط للحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل 1.5 درجة مئوية، وأي شيء خارج هذا المعدل سيؤدي إلى تفاقم مخاطر الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة والفقر لمئات الملايين من الناس.
دور اللحوم في الاحتباس الحراري.. والبديل “الحشرات”
يعد الحد من تناول اللحوم أمرًا بالغ الأهمية لتجنب الانهيار المناخي، على حد تعبير الصحيفة، إذ يمثّل إنتاج الغذاء حوالي ربع جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالبشر، ومن المتوقع أن تستمر النسبة في الارتفاع، وهذا يعني في البلدان الغربية أنه يجب أكل لحوم البقر بنسبة أقل من 90٪ وزيادة تناول الحبوب والبقول بخمسة أضعاف.
وبينت الغارديان أنه تمت الإشادة بالحشرات الصالحة للأكل كحل لنقص الغذاء العالمي وخفض الانبعاثات الكربونية الناتجة عن الزراعة الحيوانية، ولكن رغم الجهود المثلى التي بذلتها الصناعة، إلا أن استجابة البشر عند مواجهة صرصور على سبيل المثال لا تزال نفسها وتحديدًا الشعور بالاشمئزاز.
وأكدت الصحيفة أن هذا لا يزال ملحوظًا حتى في لندن، إذ يتم النظر للحشرات الصالحة للأكل على أنها ليست سوى أداة تحايل، وهناك عدد قليل من المطاعم يقدّمها للزبائن.
وسيلة إقناع لتناول الحشرات
استبشرت الغارديان أن أبحاثًا جديدة من سويسرا وألمانيا قد تكون عثرت على طريقة لإقناع الناس بتناول الحشرات، والذي سيكون له تأثير كبير على تقليل انبعاثات الكربون التي يعد البشر مسببين بها.
وحتى الآن، تعدّ متاجر التجزئة ومطاعم الحشرات الصالحة للأكل خيارًا أكثر استدامة ومصدرًا صحيًّا للبروتين، بحسب إشارة الصحيفة، لكن الباحثين يوضحون أن المشكلة في الطرق المتبعة لجعل الناس يتحولون إلى سلوك صديق للبيئة، وهي أنها غالبًا ما تنطوي على إقناعهم بالتخلي عن المتعة الفورية أثناء تناول الطعام مقابل فوائد بعيدة المدى.
ولهذا، يؤكد الباحثون أنه تم تأطير تناول الحشرات الصالحة للأكل بطريقة خاطئة.
وفي تفاصيل الدراسة التي شملت 180 شخصًا، قدُّم لنصف المشاركين نشرة تقول إن تناول الحشرات مفيد لهم وللبيئة، بينما أخبر النصف الآخر أن تناول الحشرات يعد إما لذيذًا أو عصريًّا ثم قدم لجميع لمشاركين حلوى شوكولاتة مملوءة بديدان خنافس.
وبيّنت الغارديان أن حوالي 62% من الذين منحوا نشرات تضم حوافز صحية وبيئية اختاروا تناول الحلوى، مقارنة بـ 72% ممن تناولوها في المجموعة الثانية عقب أن قيل لهم أن طعمها لذيذ أو أن تناولها سيجعلهم عصريين، كما أن المجموعة الثانية وصفت الحلوى بأنها ألذ.
وخلص الباحثون إلى أننا بحاجة إلى تبديل الرسالة التي تهدف إلى إنقاذ الكوكب من التركيز على الإيثار إلى المتعة، وهم يدعمون حجتهم بدراسات سابقة تبين أن المواقف القائمة على العواطف تكون أكثر مرونة من تلك التي تستند إلى مزاعم عقلانية، على حد تعبير الصحيفة.
ويقول الباحث الرئيس في الدراسة، سيباستيان برغر: “الآن وبما أن تكنولوجيا وحجم زراعة الحشرات الصالحة للأكل آخذة في التحسن، ستبدأ الأسعار في الانخفاض وتفسح المجال للمنتجين للاستفادة من نتائج الدراسة”.
ويستشهد برغر بشركة “إسينتو فود Essento Food AG” المصنّعة للمواد الغذائية التي يقول إنها تقود الطريق في وضع الحشرات كطعام فخم ولذيذ، ما يدعو لـ”تحويل ديدان الخنافس إلى سوشي” نظرًا إلى أن الأسماك النيئة كانت تعتبر مثيرة للاشمئزاز بين الغربيين حتى قبل حوالي 20 عامًا.
الخضرية كبديل “لذيذ”
ومن الحلول الأخرى التي أشارت لها صحيفة الغارديان هي الخضرية التي كان ينظر لها حتى وقت قريب كاحتجاج أو خيار نمط حياة غريب، إلا أن حوالي 3.5 مليون شخص في المملكة المتحدة وحدها الآن يتبعون نظامًا غذائيًّا نباتيًّا.
وعلى حد تعبير الغارديان، يوجد العديد من الحجج الداعمة لاستبدال اللحوم بالنباتات وهي تضم الفوائد الصحية والبيئية، وأن طعمها أفضل، وبالنظر إلى الدراسة الجديدة، يمكن أن يحقق التركيز على مزايا مذاق النباتات نجاحًا كبيرًا.
وبيّنت الصحيفة البريطانية أن دراسة أخرى وجدت أن وصف الخضراوات بأوصاف “جذابة” مثل “البنجر المُنكّه بالفلفل الحار الديناميكي والليمون الحامض” زاد بشكل كبير عدد الأشخاص الذين يختارون أكل الخضراوات مقارنة مع أولئك الذين يعطون أوصافًا أولية أو صحية، مثل ” خيار البنجر الأخف دون سكر مضاف” أو حتى” البنجر ذي النسب المرتفعة من مضادات الأكسدة “.
وأوضحت الصحيفة أن هذا بدأ يحدث بالفعل على نطاق ضيّق، إذ تتجنب بعض المطاعم الخضرية استخدام وصف “خضري” كليًّا في تسويقها وفي قوائم أطعمتها وتقدم نفسها على أنها مكافِئة للأطعمة المحتوية على اللحوم من حيث الجودة والطعم، وليست مجرد بديل صحي، وبات بعض هذه المطاعم يكتسب الاعتراف به لكون أطعمته “لذيذة” ببساطة، وليس لتقديمه أطعمة “خضرية لذيذة”.
وتم اختيار مطعم “The Land of Kush” الخضري الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرًّا له كأفضل مطعم في العام الماضي من قبل صحيفة “بالتيمور سيتي”.
وأكدت الغارديان أنه مع توسُّع صناعة الأغذية الخضرية لتلبية الطلب المتزايد، ستجعل استثمارات بقيمة ملايين الجنيهات الإسترلينية طعم البرغر القائم على أساس نباتي جيدًا أو أفضل من برغر اللحم البقري الذي نشأ الجميع عليه، لكن كلما ابتعدنا عن الحديث عن عاداتنا الغذائية باعتبارها الحل لإنقاذ الكوكب، اقتربنا أكثر من إنقاذه حقًا.