فؤاد زويرق: ما ذنبنا نحن المغاربة أن نؤخذ بذنب الجهال في الميدان السينمائي؟

الناقد السينمائي: فؤاد زويرق

انطلق مساء أمس عرس السينمائيين المغاربة بطنجة، سجادة حمراء، إعلاميون، قنوات تلفزية وإذاعات، ممثلون، مخرجون، شاشة كبيرة، أفلام، أكل، فنادق، ضيوف… إذن هو العرس بعينه، هل علينا كمغاربة أن نحتفي ب”سينمانا” بهذه الطريقة؟ نعم بكل تأكيد، لكن إلى متى سنظل نلوك نفس المبررات التي دأبنا على اجترارها منذ سنوات بخصوص حالها وقيمتها؟ إلى متى سنبقى عاجزين أو متعاجزين عن مناقشة الواقع ومجابهته ووضع كل الحقائق على الطاولة مكشوفة عارية، حتى يتعرف عليها المواطن؟ أليس هو من يدفع الضرائب ومنها تمول هذه السينما؟ هل من حقنا أن نفتخر كذبا ونحتفي بما حققناه من تراكم سينمائي رغم أننا نعي وندرك في قرارة أنفسنا أن هذا التراكم مثقل بالتفاهة والرداءة، وأن ما نصفق له اليوم لا يعدو كونه وهماً في مخيلتنا، ولا يساوي شيئا في جوهره، فعوض الاعتراف بفشل هذه الاستراتيجية وابتكار غيرها، نُصرّ على  دفن رؤوسنا في الرمال والاستسلام لثقافة الخنوع التي تعيق بناء هذا الميدان والنهوض به، فالسينما كثقافة انسانية وفنية وثقافية… مشروطة بعدة معطيات ومعايير وإن لم نستوعبها جيدا، فسنفشل حتما، وقد فشلنا.

 

السينما المغربية حققت تراكما كميا مهما حلق بنا الى المراتب الأولى عربيا وقاريا، لكن ماذا بعد؟ أين نحن كيفا لا كمًّا وسط هذه الخريطة القارية ؟ ما نسبة انتشار أفلامنا بين دولها؟ الجواب بكل تأكيد صفر، ورغم إدراكنا لهذا الرقم المفزع إلا أننا نتباهى به اعلاميا بمناسبة وبدونها، مع تزييفه طبعا.

قد نصل الى 25 فيلما سنويا، لكن هل هذا العدد كاف لتخطي الحدود والوصول الى أكبر عدد ممكن من المشاهدين خارج البلاد؟ هل هذا العدد يؤهلنا لاحتلال المكانة اللائقة بناء على الخارطة السينمائية العربية حتى لا نقول العالمية، فالمتمعن في الخطاب الرسمي يعتقد أننا فعلا نزاحم هذه الأخيرة في معاقلها مع أننا لا نزاحم سوى أنفسنا، فقبل أن نوجه بوصلتنا صوب الخارج علينا أولا أن نتميز داخليا، ونحاول قدر الامكان احتواء المشاهد المغربي عبر منتوج قابل للإستهلاك، فأغلبية المغاربة لا يشاهدون كل الأفلام المغربية المنتجة سنويا ولا يعرفون عددها ولا أصحابها ولا كم صرف عليها… ولا يهمهم معرفة ذلك أصلا  مادامت لا تجذبهم ولا تحقق لهم الحد الأدنى من المتعة الفنية والفكرية، فالقليل منها يعرض مهرجاناتيا أو في قاعات العرض لبعض الوقت والباقي يؤرشف ويخزن، في استنزاف صارخ لأموال الشعب، نحن لسنا ضد النهوض بالسينما وتنميتها عبر دعم الدولة لها، بل بالعكس، لكن قبل ذلك يجب أن ننظر الى نوعية الافلام المدعمة، وماذا سنحقق من خلالها عبر مخطط شمولي ودراسة علمية جادة قادرة على تحقيق أهدافنا داخليا وخارجيا.

كيف لنا أن نثق في هذه المنظومة المشكلة لهذا الميدان ونحن نشهد فشلها الدائم في تحقيق طموح المتتبعين ومعهم الجمهور؟ كيف لنا أن نأتمن لجنة الدعم على خياراتنا، وهي تراوغنا كل موسم لتحصر دعمها بين السيّئ والأسوأ وترمي ما تبقى من فتات للأحسن والأفضل؟ كيف لنا أن نتعلق بسقف آمالنا ونحن أمام مؤسسات وصية تتعامل مع السينما بأسلوب إداري ووظيفي أكثر منه ثقافي وابداعي؟ كيف لنا أن نتفاءل خيرا ونحن أمام مجال احتكره أشباه الفنانين من مخرجين ومنتجين وممثلين؟ كيف لنا أن نحقق ما حققه الآخرون ومازال بيننا من يستغفلنا ويستولي على أموالنا بداعي الفن لتحقيق مآرب أخرى لا علاقة لها بما يدعيه؟ وخير دليل على ما نقول ما يعرض في صالاتنا و تظاهراتنا من أعمال نخجل من تسميتها أفلاما، أعمال تستبلد عقل وفكر المتلقي.

ما ذنبنا نحن المغاربة أن نؤخذ بذنب الجهال في هذا الميدان؟ ما ذنبنا أن تمرغ أنوفنا في التراب بسبب الفاشلين وعديمي المسؤولية؟ ما ذنبنا أن تفرض علينا منظومة فاشلة؟ ماذنبنا أن نصبح فئران تجارب؟.

كلامي هذا نابع من غيرتي على الفعل السينمائي ببلادنا، ومدى إشعاعه خارجها، فقد حاولت مرارا وتكرارا تطبيق الحكمة التفاؤلية المعروفة ”أن تضيء شمعة صغيرة خير لك من أن تنفق عمرك تلعن الظلام ” فاصطدمت بجدار صلب سلبياته أكثر وأقسى بكثير من مكتسباته، وستظل هذه السلبيات تتقوى وتتكاثر إذا ما استمرينا في جهلنا وتجاهلنا للواقع، فكيف لنا أن نراهن على منظومة خاسرة، وخسارتها هذه ظاهرة للعيان حتى قبل أن ينطلق السباق.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد