كتبت : الدكتورة العالية ماءالعينين
بما أنني أنتمي إلى ذلك الجيل.. الذي تربى على صوت أم كلثوم…فإنها ومنذ مرحلة متقدمة من حياتي كانت بالنسبة لي القاموس المحيط بكل ما له علاقة بالعواطف والأحاسيس من آه الإعجاب…حتى أقسى حالات الحب والعشق…فلم أجد تعبيرا …أبلغ ولا أحلى من ترنيمتها في أغنية “إنت عمري”
“صَالحت بيك أيامي…سامحت بيك الزمن
نسيتني بيك آلامي……ونسيت معاك الشجن
الحب حالة تخدير لذيذة جميلة تحقننا…بقوة غريبة على تجاوز الألم ومسامحة الزمن على كل ما يمكن أن يكيله لقلوبنا وأرواحنا وأجسادنا من التعب والإنهاك والظلم. وكأنه صك غفران له مهما بلغت قساوته وعذاباته…لحظة سحرية …قد تذهب أبعد من ذلك.. حينما تقلب القبح جمالا والشذوذ طبيعة…ويصبح الحب من قبيل، ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب أو ومن الحب ما قتل، أو “الحب أعمى” وكلها أمثال ترمي بالحب في أحضان العنف والظلام بشكل غريب
هل الحب حالة إيجابية ؟ قد يتبادر إلى الذهن أنه لا يمكن أن يكون إلا كذلك، وبهذا المعنى يدخل الحب في دائرة المعايير الأخلاقية، ويصبح مرادفا للجمال والطيبة والبراءة إلى غير ذلك من الصفات المثالية…
ولكن ألا يحق لغير الطيبين الحب؟ وهل يسيج الحب في إطار الحقوق والواجبات؟ أم هو قدر وحالة غريزية طبيعية، بما يعني أنه يغشى كل أنواع البشر بما في ذلك الأناني والقاسي والكاذب والقاتل….
عندما يعزف العاشق لمحبوبته سيمفونية الحياة الرائعة، ويعدها بالحب مدى الحياة وبالعمل على إسعاده، وعندما تتغنى الحبيبة بحبها الذي سيغنيها عن كل شيء والاكتفاء بالحبيب مع قليل من الخبز والزيتون
هل يمارسان الكذب على بعضهما؟
قد تكون هناك حالات كذب لأغراض معينة ولكننا نتحدث هنا عن الواقعين تحت سلطة العشق حقيقة أو على الأقل مقتنعين بذلك، أظن أن أغلبهم يتحدثون بصدق لأنهم في لحظتهم تلك على وفاق مع الزم ألم يسامحوه ويصالحوه مقابل الحب؟
يلح علي سؤال غريب حول مشروعية ميثاق المحبين؟ فباعتباره يقع تحت حالة الحب هل يعني ذلك أن الطرفين أو أحدهما يصبح في حل منه إذا زالت هذه الحالة أو تراجعت أو خفت وهجها…؟
قد يكون للمتراجعين عذرهم، فللقلب أحكامه التي لا تعترف بالمنطق والمواثيق. فهو مستعد للتحليق والرقص في حالات وعاجز عن مجرد الابتسام في حالات أخرى…
ولكن ما العلاقة بين الركود العاطفي والكره أو الحقد أو العداوة؟
قد يتوقف القلب عن الحب ولكن هل من المفروض أن يتوقف الإنسان عن إنسانيته؟ هل غياب الحب مبرر لغياب العلاقات الاجتماعية أو الأسرية في حالات الزواج مثلا؟
للأسف هذا ما يحدث في واقعنا المغربي والعربي عموما، وهو الشائع وتشهد عليه المحاكم. فالحب يصبح عداوة وتهربا من المسؤوليات وقد يتعمق الأمر ويصل إلى العنف والجرائم…
كانت تجلس قبالتنا في جلبابها الفضفاض الذي أخفى كل شيء إلا كم الشقاء الذي يلوح في عينين غلبهما التعب، وغشي بقايا جمال أنهكه الزمن، الذي ضحك لها يوما، و”صالحته” لأن “سي محمد” قال لها أحبك وفرش لها البساط رياحينا. هذه الأربعينية، التي تبدو عجوزا تحجرت الدموع في مآقيها، وهي تتذكر كيف وعدها الحبيب بالجنة وتركها للجحيم وفي عنقها خمسة أبناء ومهددة بالإفراغ من بيت بائس، لأنه باسمه ولم يدفع إيجاره قط ولم تعد تعرف عنه شيئا بعد أن فكك أوصالها تعنيفا وضربا مبرحا… و”حكَرة” …
وفي هذه الحالات غالبا ما يشتكي الزوج من قلة حيلته أما المرأة فهي ملزمة بصغارها حتى ولو تسولت من أجلهم…وإذا عذرنا هذا الرجل بقصر اليد عن تحمل مسؤولياته المادية، فكيف نعذر قسوته وعنفه …؟
أليس من المخيف أن يكون الحب مجرد عصا سحرية، تجعل أعتى القساة في حالات غريبة من الحنان واللطف. وبمجرد زوال السحر تطفو إلى السطح الطبائع الحقيقية وينقلب السحر والحلم كابوسا ونعاين أشد حالات التدمير المتبادل بين عشاق الأمس وأعداء اليوم؟
هل هو حلم أن نعي جيدا أن الحب مجرد مولود، ووجوده سعادة كبيرة ولكن عدم الاهتمام به بداية لانحرافه؟
قد تكون الفرقة الناجية هي تلك العينة من العلاقات النادرة وغير المستحيلة – من حسن الحظ-والتي تخلق للحب روابط لا تفسخ، من اهتمامات مشتركة ورغبة دائمة في تعميق حالة الحب..
ولكن، وحتى إذا مات المولود أو أصابته علة، أليست هناك مسؤوليات مشتركة قد تجعل للحياة معنى؟ وإذا أصبحت هذه الحياة مستحيلة ومملة فلم لا الانفصال، إذا كان في مقدور كل إنسان أن يعيد ترتيب حياته من جديد. لماذا هذا الكم من العنف والرغبة في الإيلام والتجريح…؟
وبالرجوع إلى لازمة “في أوروبا والدول المتقدمة “، لماذا نتأثر كثيرا برؤية عجوزين كل واحد منهما يسند أحدهما الآخر؟
هل هو الحب أم هي الرحمة والتراحم؟
………….
أعترف لكم أني غير قادرة على تغيير الشريط رغم كل هذا السواد…
الي شفته قبل ما تشوفك عيني
عمري ضايع يحسبوه إزاي علي
إنت عمري