لكل مخلوق أطراف لولاها لما استطاع أن يقوم بما هو منوط به، وقد تكون هذه الأطراف أحيانا جناحين لولاهما لما استطاع أن يطير وبإصابة أحدهما أو كلاهما يفقد هذا المخلوق القدرة والحركة؛ ينسحب هذا على الكيانات والأوطان، وبالنسبة لنا كمغاربة نرى ذلك جليا في جناحي الوطن المتمثلة في جنوبه وشماله فكلاهما أعطى للوطن الشيء الكثير إن على الصعيد الوطني أو الديني أو العلمي أو الاقتصادي…. شأنهما في ذلك شأن باقي الجهات الوطنية.
نعرف أن مصدر القلاقل بالنسبة للجهة الجنوبية لم تكن أهدافه منذ الانطلاقة ما أصبحنا نمسي ونصبح عليه، ونخشى انعكاسه على بقية جهات الوطن؛ كما أن مصدر القلاقل والاضطرابات في الشمال لاتحركه لحد الساعة إلا تلك المطالب الاجتماعية المشروعة، وأخشى مانخشاه أن تنقلب تلك المطالب لاقدر الله الى مالا يريده كل وطني حر لبلده
للأحزاب المغربية تاريخ ليس بالهين يمتد على مسافة النصف قرن أو يزيد من عمر مغرب ما بعد الاستقلال ؛ توالت عليها الأحداث و راكمت فيها منجزات وكان لها نصيب لا بأس منه من الاخفاقات .
خطاب العرش الأخير كان بمثابة وقفة تأمل مهمة في وضعية الأحزاب المغربية ؛ وضعيتها و مكانتها في الساحة السياسية في البلد؛ ملك البلاد ذهب بعيدا في الصراحة حين تحدث عن ضعف الأحزاب وفقدان الثقة فيها وعدم قدرتها للتأثير على الأحداث وخصوصا ما يكدر صفو البلاد هاته الأيام من إشكالات.
بالنسبة للمراقب الممعن في تاريخ المغرب الحديث يعرف أن هاته الوضعية لها جذور وسوابق حيث أن جناح المغرب الآخر وهو جنوب البلاد كان قد مر من أزمة مماثلة في النصف الثاني من القرن الماضي حيث تحولت مطالب مشروعة ووطنية محضة إلى موضوع سياسي معقد تمخضت عنه بفعل أيادي عابثة رغبة في الانفصال عن الوطن الأم ولنا أن نضع هنا تسآل مشروع هل لو كانت الأحزاب أنذلك أكثر إيجابية اتجاه الوطن والمواطنين هل كنا سنصل إلى ما وصلنا إليه في قضية صحراء المغرب؟ وهل التاريخ منذر بتكرار لا سامح الله نفس التجربة في الجناح الشمالي من الوطن ؟ أم أن عقلاء البلد والساسة سيتداركون الأمر ويصلحون شؤون البلاد والعباد ؟
وفي المحصلة ؛ عندما يعلن ملك البلاد ان الثقة اصبحت مفقودة في منتسبي احزاب البلاد من الاكثر إيمانا حتى الاكثر تحررا من الدين في مجال السياسة (بمقاييس الإسلام السياسي) فكلهم اصبح معني للقيام برد فعل مناسب فإما هم مظلومون ويجب عليهم الدفاع عن صورتهم بالحجة والبيان أو مقصرون نسبيا وعليهم القيام بمراجعات و الاجتهاد في اصلاح أوضاعهم او هم في حالة صحية جد سيئة لا يرجى منها شفاء وفي هاته الحالة فليريحوا الناس منهم وليستريحوا ولتبحث الدولة على أنظمة بديلة لتسيير الساحة السياسية في البلاد.