استيقظت باكرا ذات صباح، وكلي سعادة ونشاط، فأنا اليوم متجه لتناول قهوة الصباح، صباح يوم الأحد في المطار، واليوم مسافر للعاصمة الإسبانية مدريد، وهناك سأحصل على تأشيرة من القنصلية الإسرائيلية باسبانيا، ومنها سأطير إتجاه مطار بن غوريون، ضواحي مدينة “تل أبيب” …
وصلت إسرائيل بعد يومين من مغادرتي لبيتي وأهلي،
وبعد نزولنا من الطائرة، توجهنا عبر ممرات طويلة صوب شبابيك شرطة الحدود، فوجدت أمامي صف طويل من المسافرين، لأن هذه الفترة تشهد أعياد ميلاد المسيحيين، وهم قادمون من جميع أنحاء العالم لزيارة أماكنهم المقدسة، وعندما وصلني الدور تقدمت صوب الشرطي الإسرائيلي خلف الشباك، حييت الرجل، فأخذ جواز سفري وألقى نظرة إلى بدون أن يجيب على التحية، فطرح علي بعض الأسئلة، من قبيل هل هذه أول زيارة، وما سبب الزيارة وفي كل مرة أجيبه يرفع رأسه وينظر لي بنظرات فيها قسوة وحدة، وبينما هو يتصفح جواز السفر سيتوقف عند صفحة منه، وسيضع أصبعه على ختم فيها، ويقول لي هذا ختم شرطة حدود مطار بيروت الدولي، فما الذي كنت تفعله عند اعدائنا ؟!
فقلت له عفوا هو عدوكم ولكن لا شيء يمنعني أنا من زيارتهم ! فلا مشكل بيننا وبينهم ! وزيارتي لبيروت لم تحمل أي طابع رسمي، كانت مجرد زيارة لغرض السياحة !
فنظر لي بطريقة فيها الكثير من التشكيك في كلامي، وختم جواز السفر، وسمح لي بالمرور، أخذت حقائبي وبعد إجراءات التفتيش الروتينية، خرجت من المطار لأستقل سيارة أجرة كنت قد حجزتها مسبقا عن طريق أحد التطبيقات على الإنترنت، والوجهة كانت العاصمة تل أبيب التي تبعد عن المطار بحوالي 20 كيلومتر، حيث سأبيت هناك ليلة أو ليلتين في أحد الفنادق، على أساس الانتقال إلى القدس بعد يومين، لقضاء بضعة أيام لزيارتها والصلاة في المسجد الأقصى، القدس التي تبعد حوالي ستين كلم عن تل أبيب …
سائق التاكسي الذي أقلني من المطار، كان من عرب الداخل أو من عرب 48 أو كما يسمون عرب إسرائيل، وهو شاب طيب ودود، طوال الطريق وهو يحدثني عن البلد وأحوالها، وعن الأماكن الجميلة التي يمكن زيارتها خلال مقامي هنا …
وصلنا المدينة وكانت الساعة متأخرة، فتناولت طعام خفيف، وخلدت للنوم.
استيقظت متأخرا صباح اليوم التالي، فتوجهت لكافيتيريا (أو مقهى) الفندق، طلبت أكبر فطور عندهم، وقد كنت أحس بجوع غير طبيعي، ربما لطول الرحلة والتعب …
جاء النادل بطلبيتي، تناولت طعامي بشراهة لم أتعودها في نفسي ..
طلبت الحساب، فجائني النادل بالفاتورة فيها ثمن الفطور، أربعين شيكل (العملة الإسرائيلية) أي ما يعادل عشرة دولارات، وتحتها مكتوب كلمة : ضريبة إضافية للمجهود الحربي، وقدرها ما يعادل أربع شيكلات وهي دولار تقريبا، وفي أسفل الفاتورة تماما مكتوب جملة :
جيش الدفاع الإسرائيلي يشكركم على دعمكم القيم في المجهود الحربي … !
ما إن قرأتها حتى بدأت أطرافي ترتعد !
هل أنا الآن ساهمت في المجهود الحربي لجيش الاحتلال ؟
هل أنا الآن ساهمت بزيارتي هذه، وبما صرفته وأصرفه هنا في قتل إخواننا الفلسطينين ؟
وفجأة سمعت صوت مرعب قادم من السماء، ووميض ضوء في الأفق يكاد يخطف الأبصار، ساد الرعب بالمكان !
هل هو صاروخ للمقاومة الفلسطينية جاء ليقبل أرض صانعيه، الأرض المحتلة ؟
أم هي أرواح فلسطينية بريئة حصدتها صواريخ طائرات المحتل الإسرائيلي، أرواح بريئة صاعدة للسماء تعانق أبواب السماء في انتظار العدالة الإلهية القادمة ولو بعد حين ؟
قفزت من مكاني واقفا، فإذا بي مستقر جنب سريري،
فزعا وأطرافي ترتعد، لقد كان مجرد كابوس ؟ كابوس فضيع !
فحمدت الله أنه كان مجرد حلم وأنني لم اتورط في حال من الأحوال في دماء إخواننا الفلسطينين !
وقلت ربما هي علامة خير، فربما اقترب زمن زيارة القدس، والصلاة في المسجد الأقصى تحت راية دولة فلسطينية محررة، سيدة، ومستقلة !
وإلى الاسبوع المقبل.
كتب : الدكتور سعد ماء العينين