حديث الأحد …
وأنا جالس أحتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد وأشاهد التلفاز ينقل مشاهد من دواوير نواحي مدينة الحوز، مراكش، تارودانت، وارزازات، حيث بدأت الأمور ترجع لطبيعتها بعد زلزال الحوز، تذكرت ذلك اليوم البعيد، عندما كنت قد قررت تجربة الاستحقاقات الانتخابية، فترشحت تجاوبا مع اقتراح أحد الأحزاب، الذي اعتقد قادته أنني ربما قد أصلح لتمثيله تحت قبة البرلمان، بالرغم من أنني لم أكن متحمسا كثيرا لذلك الأمر في البداية …
بدأت الحملة الانتخابية التي تسبق يوم الاقتراع بأسبوعين تقريبا، فكان من الضروري زيارة بعض الدواوير التابعة للمنطقة التي ترشحت فيها للتواصل مع الساكنة وعمل الحملة الانتخابية …
الطريق إلى الدوار الذي كنا بصدد زيارته بعيد شيء ما، والطريق إليه وعرة، بها الكثير من المنعرجات، والدوار بأعلى الجبل …
وصلنا إليه فصادفنا عند مدخله أحد الاشخاص ، الذي أخبرنا أنه يتعاطف مع الحزب الذي نمثله في هذه الانتخابات، وأنه مستعد لدعمنا ومساعدتنا للقيام بحملة ناجحة في دواره، ولكن قبلها طلب الحديث إلي على انفراد …
(هذا الشخص في الحقيقة نسيت اسمه الآن، ولكن دعونا نلقبه باسم “عبد الله” ليسهل علينا الكلام عنه)
ابتعدنا قليلا عن المرافقين لي، وقال لي اسمع إن أردت أن تكسب أصوات ساكنة هذا الدوار فالحل الوحيد هو التواصل مع “رئيس الدوار” وبحث الأمر معه، فإن تمكنت من إقناعه فسيصوت لك كل من في الدوار …
لم أفهم الأمر جيدا، ولكن قبلت نصيحته وقلت له لا مشكل، نظم لنا لقاء مع “رئيس الدوار” هذا لنرى ما نحن فاعلون …
دعانا “عبد الله” للاستراحة قليلا في بيته على أساس أن يستدعي “رئيس الدوار” لمقابلتنا، وبينما نحن ننتظره قال لي أحد شباب الدوار الذين تصادف وجوده مع تواجدنا بمنزل “عبد الله” ، يا فلان أقدم لك نفسي، أنا طالب جامعي وأعرفك منذ مدة ومن بعيد فأنا من متابعيك على السوشيال ميديا، فدعني أقول لك حقيقة الشخص الذي يلقبونه ب “رئيس الدوار ” عندنا في هذه المناطق ؟
قلت له تفضل كلي آذان صاغية !
فقال لي أنصت إلي جيدا :
“رئيس الدوار” هذا أحيانا يكون من المنتخبين محليا، وغالبا لا يكون له أي منصب ولا يتحمل أية مسؤولية رسمية …
وأحيانا ينال هذه المكانة “أي رئاسة الدوار” بالوراثة، فيكون أبوه وجده قبله رؤساء سابقون للدوار، ووصلت له هذه المكانة بعدهم، وأحيانا أخرى يكون قد استولى على رئاسة الدوار بعد أن فرض وجوده بطريقة أو أخرى على الساكنة واستطاع إزاحة الرئيس الذي سبقه من منصبه …
وتراه يتصدر المجالس في الدوار، وعندما تصادفه في الطرقات، تراه نافخا صدره، مزهوا بنفسه، تلجأ إليه الساكنة لحل مشاكلها ولقضاء بعض حوائجها، وبهذا يحافظ على مكانته ودوره المحوري في الدوار …
تظهر قيمته أكثر عند المناسبات والاستقبالات الرسمية، فيكون حاضرا في تنظيم الناس، وإعطاء الأوامر للصغير والكبير، والكل يطيعه بلا نقاش، فساكنة الدوار تعتقد أن الرجل عالم بكل شيء، وقادر على ما لا يقدر عليه غيره من رجال ونساء الدوار …
أما قصة “رئيس الدوار ” مع الانتخابات فتلك قضية أخرى، فيجلس بنفسه مع كل المرشحين للانتخابات الذين يزورون الدوار لعمل الحملة الانتخابية ويتفاوض معهم على ثمن تصويت الدوار عليه، أي التصويت بالجملة، فيأخذ هو الثمن ويفرض على كل من في الدوار التصويت على الذي دفع له أكثر، ومن يخالف توجهاته يناله الغضب، وربما سلط عليه بعض من اتباعه المخلصين بالدوار لكي يذيقوه الويلات …
سمعت كلام هذا الشاب وأنا في ذهول تام، وما إن أتم كلامه حتى دخل علينا “عبد الله” ومعه “رئيس دوارهم” قدمه لي وتركني أجلس معه منفردا، فبادرني بالكلام، اسمع يا فلان، مرحبا بك في دوارنا ولكن إن أردت أن نصوت عليك، فعليك أن تفعل اللازم وأن تسرع في ذلك، فالطلبات من المرشحين كثيرة، وأنا يجب أن اقرر من سندعم …
افعل اللازم ؟ تسألت مع نفسي !
وقلت إذا ربما كلام أخينا الطالب الجامعي صحيح وهذا المدعو “رئيس الدوار” يريد مني ارتكاب المحظور !
وبما أنني لست متأكد من نواياه ولا مما يقصد بكلامه بالضبط، قمت من مكاني وشكرت “عبد الله” على حسن الاستقبال وقلت للمجموعة التي رافقتني، هلموا بنا نرحل، فربما جئنا لهذا المكان بزمن طويل قبل الأوان …
ربما يتطلب الأمر سنوات طويلة من العمل لتطوير أسلوب تفكير الخلق، قبل التفكير في تنظيم إنتخابات …
وإلى الاسبوع المقبل.