حوار الاربعاء/ د .بلالي ابراهيم .. عدم تجديد النخب بالصحراء هو أمر تعاني منه الأقاليم الجنوبية

حوار الاربعاء / سلسلة حوارات في مجالات متعددة تنشر كل يوم أربعاء يفتح من خلالها النقاش مع العديد من الأسماء الشاهدة على وقائع واحداث مهمة. هذه الحلقة مع إبراهيم بلالي اسويح. محلل سياسي وعضو بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية حاصل في التسعينيات على دكتوراه السلك الثالث في جغرافية التعمير ثم مؤخرا على شهادة الماستر في القانون الدولي بالفرنسية ويحضر حاليا دكتوراه بالمعهد الوطني للتهيئة والتعمير بالرباط.

متخصص في القضايا الاستراتيجية وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية. كان معه هذا الحوار :

 

س : في البداية باعتباركم عضوا بالمجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية كيف ترى عدم انعقاد دوراته منذ سنوات؟

 

ج : احداث المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية في 25 مارس 2006 كانت تمليه مرحلة مهمة وحساسة في تدبير النزاع المفتعل حول الأقاليم الجنوبية المغربية أي كان المغرب يحضر لمنح هذه الأقاليم حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية وكان من الطبيعي إشراك الساكنة المحلية في بلورة هذا التصور عبر تمثيلية الصحراويين داخليا وخارجيا في اقتراح هذا المشروع ومتطلبات التنمية البشرية والاقتصادية للاستجابة للحاجيات الآنية والمستقبلية للساكنة المحلية آنذاك في مواجهة الهشاشة.

الظهير المؤسس حدد مدة الولاية في أربعة سنوات خلالها فإن العمل تطوعي، وهو الأمر الذي كان من خلال تلبية الأعضاء للمهمة التي أوكلت إليهم سواء من حيث القوة الاقتراحية أو المهام التي انيطت بهم.

عدم انعقاد دوراته فيما بعد ليس مرهونا بفشله بل املته الظروف التي تمر بها قضية وحدتنا الترابية التي بعد ذلك خصوصا بعد 2010 بحيث أن التوجه الملكي أصبح ميدانيا من خلال إعداد مقاربة استراتيجية جديدة مندمجة ومتكاملة سيتمخض عنها فيما بعد النموذج التنموي الجديد للاقاليم الجنوبية ويبقي في آخر المطاف أن الكوركاس هو مؤسسة من اختصاص جلالة الملك الذي يحدد متى وكيفية تفعيلها لأن عملها سيبقى إلى جانبه.

 

س : هل في نظرك لعب دوراً في ملف الصحراء؟ ماهو؟

 

ج : الدور الذي لعبه المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية كان مكملا آنذاك للاصلاحات التي تعرفها مملكة محمد السادس وللمصالحة كما أن وجوده في تلك الفترة أعطى زخما ودينامية للجبهة الداخلية الوحدوية وساهم بشكل كبير في الدفع بالتعجيل بمبادرة الحكم الذاتي وإن كان البعض يرجح أن دوره كان شكليا فإن صلاحياته كانت بالأساس مساعدة جلالة الملك المدبر الأول لملف قضيتنا الوطنية وفي اعتقادي فإن المجلس قد نجح في ذلك إذا أخذنا مرحلة التأسيس ومسار ملف هذا النزاع المفتعل في تلك الفترة الماضية.

 

س : لأول مرة نشاهد البعض يقاطع دوراته هل الإشكالية تكمن في تركيبته؟ ماهو الحل ليلعب دوره الحقيقي؟

 

ج : مقاطعة البعض آنذاك هي تعود بالدرجة الأولى لخلافات داخلية بين أعضاءه وهو أمر طبيعي على إعتبار أنه يضم كل الأطياف ولن يزايد أحد بأن التركيبة التي كانت تتشكل من أغلبية القبائل الصحراوية والنخب من أعيان وشيوخ ومنتخبي الصحراء، ومعلوم أن عدم تجديد النخب بالصحراء هو أمر تعاني منه الأقاليم الجنوبية لأن ماهو نخبوي لايقتصر فقط على التكوين الأكاديمي أو المهني أو الإنتماء القبلي بل أن ظروف خلق النخب والزعامات السياسية غير متوفرة الآن واكاد أجزم بأن ماتعاني منه المنطقة هو تجديد النخب السياسية بحيث أن ماهو موجود هو إفراز لظرفية موسمية مع الانتخابات دون تجاوز ذلك إلى أدوار تاطيرية كما هو الحال بالنسبة للرعيل الأول أو حبيس منطق تقنوقراطي وهم بالمناسبة قلة في الأقاليم الجنوبية والممارسة السياسية القادرة على الدفع بخلق كفاءات وطنية لازالت شروطها لم تنضج بعد في المنطقة والسائد الآن هو الولاءات التي تتجه نحو قطبية مهيمنة تتحكم في المشهد السياسي بشكل كبير أثر على روح المبادرة والتجديد داخل المكونات المحلية.

س : أنت ملم بملف الصحراء كيف تنظر لهذه الاعترافات الدولية وخاصة فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن؟

 

ج : إعتراف دولة فرنسا جاء في ظرفية استثنائية لأنه جاء بعد اعتراف دول وازنة كما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية عام 2020 وإسبانيا المستعمر السابق للإقليم ثم إن فرنسا التي تشترك معها المسؤولية التاريخية على مستوى مخلفات ترسيم الحدود أو الأرشيف الذي يحدد شرعية انتماء هذه الربوع للمملكة الشريفة جعل منه حدثا مدويا رغم أن فرنسا تاريخيا منذ اندلاع هذا النزاع المفتعل كانت تقف إلى جانب المغرب عسكريا ودبلوماسيا دون إعلان صريح بذلك، وبهذا الإعلان الرسمي تساهم في تثبيت الطرح المغربي على عدة مستويات سواء في أوروبا على إعتبار دورها المحوري في الإتحاد الأوروبي كذلك الأمر بالنسبة للأمم المتحدة وهي العضو الدائم في مجلس الأمن ناهيك عن دورها الاقتراحي في مجموعة أصدقاء الصحراء كما أن تعزيز التعاون الاقتصادي والتنمية المعلن عنه في الرسالة التي بعث بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجلالة الملك سترفع الحرج عن استثمارات أخرى بالمنطقة لدول كانت في السابق متحفظة أو مترددة على إعتبار أن فرنسا تعد المستثمر الأول في المغرب إذ بلغت المبادلات التجارية قيمة 1,7مليار اورو سنة 2023، كما هذا الاعتراف سيعزز مقاربة الوساطة الأممية السلمية لهذا النزاع ويستبعد أي تسوية تخرج عن التفاوض حول الحل السياسي الذي لن يكون إلا توافقيا ولعل مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب سنة 2007 ستصبح هي الحل الواقعي الممكن التفاوض بشأنه وتطبيقه على أرض الواقع.

 

س : توقع معهد أمريكي بنهاية ملف الصحراء قريبا ماهو تعقيبك حول التقرير وخلاصته؟

 

ج : ماجاء في تقرير معهد السلام الأمريكي هو توقع للخبير توماس هيل المدير بالمعهد لشمال أفريقيا تعتبر أهميته في كونه يصدر عن مجموعة للتفكير ونعرف تأثير ذلك على صناع القرار في الغرب وتحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية، اللافت أن تبني هذه المعالجة الحالية من لدن هذه المؤسسات ينذر بأن هناك قناعة لدى هؤلاء الخبراء بأن المنحى الجديد لهذا النزاع الإقليمي المفتعل لم تعد مقتصرة على التفاعل الأممي فقط بل إن الأفعال الفردية والبينية للدول السيادية ذات الحجية المطلقة تجاه الكافة مع مرور الوقت ولدت لدى هذه المراكز بأن الحسم النهائي لهذا الملف أصبح مسألة وقت ليس إلا، وإذا كان مركز التفكير الأمريكي خلص إلى ماخلص إليه بناءا على المعطيات الميدانية التي قام بسردها في السنوات الأخيرة فإنه يكاد يكون من المرجح أن دائرة الأبحاث والدراسات الاستراتيجية لمركز مشابهة ستنصب على تبني مثل هذا النهج في وضع سيناريوهات التسوية النهائية لهذا الخلاف الإقليمي وإعادة تسليط الضوء على طبيعته الحقيقية بتواثر خلال المراحل المقبلة.

 

س : على بعد أسابيع قليلة سيجتمع مجلس الأمن حول ملف الصحراء وتمديد ولاية بعثة المينورسو أي قراءة لك في الدورة؟

 

ج : اجتماع مجلس الأمن الدولي في شهر أكتوبر المقبل لن يخرج القرار عن ثوابت الحل السياسي الذي كان في القرارات الثلاثة الماضية 2703 2654 2602 إذ أن تقرير الأمين العام لمجلس الأمن الذي من المفروض أن يركز على الدفع بالعملية السياسية قدما عبر المبعوث الشخصي ستيفان دي ميستورا مع أطراف النزاع المفتعل لا تحمل أي جديد كما أنه خلال هذه السنة لا تسجل حوادث ملفتة في تقرير رئيس بعثة المينورسو ايفانكو ونعيش شبه حالة جمود في المسلسل التفاوضي اللهم ماكان من إنتصارات دبلوماسية في غاية الأهمية لفرض أمر الواقع وتجديد الدعوة للجزائر للجلوس على طاولة المفاوضات كطرف معنى ورئيسي في هذا الخلاف.

 

س : ربع قرن على تولي محمد السادس الحكم بالمغرب كيف تنظر في عهده لملف الصحراء ؟

 

ج : منذ تولي جلالة الملك محمد السادس مقاليد الحكم هناك تغير جذري لتدبير ملف الصحراء إذ أنه بعد سنة أي في سنة 2000 أصبحت السيادة خط أحمر منذ قرار مجلس الأمن 1359ثم أن المغرب بعد ذلك تحفظ في سنة 2003 على خطة بيكر الثانية في القرار 1495 على إعتبار أنه يتحدث عن سيادة انتقالية والتداخل بين صلاحيات السلطة المركزية وسلطة الحكم الذاتي ثم إعادة إنتشار القوات المسلحة الملكية وبعدها جاء إعتراف الأمين العام آنذاك كوفي عنان سنة 2004 بأن خطط التسوية المقترحة غير واقعية وبالتالي تصبح متجاوزة لذا يجب التفكير في حلول بديلة إلى أن اقترح المغرب مبادرة الحكم الذاتي سنة 2007 تحت السيادة المغربية ومنذ ذلك الحين إلى الآن والملف يعرف تطورا في هذا المنحى بعد صدور قرابة عشرون قرارا بل إنه بعد 2016 أن تقارير الأمناء العامون تشير إلى مستوى التنمية بهذه الأقاليم الجنوبية، وماميز فترة حكم جلالة الملك محمد السادس خلال الربع قرن أنه جعل من قضية الوحدة الترابية المنظار الذي تحدد به المملكة صدق الصداقات ونجاعة الشراكات مع الدول بل إن جلالة وضع محددات كبرى للمعالجة الأممية حين وجه رسالته إلى المنتظم الدولي بأنه لايمكن مقارنة دولة عضو في الأمم المتحدة مع حركة انفصالية ولايمكن مقارنة مايجري في مخيمات تيندوف من خرق لحقوق الإنسان مع مستوى التنمية بالاقاليم الجنوبية وتحوير هذا النزاع الإقليمي المفتعل إلى تصفية استعمار ثم محاباة الجزائر الطرف الرئيسي في هذا الملف.

 

س : وعلى مستوى التنمية بالاقاليم الجنوبية في عهد محمد السادس؟

 

ج : في عهد محمد السادس فإن التنمية بالاقاليم الجنوبية عرفت مستوى ساهم في مضاعفة الناتج الداخلي لهذه الأقاليم عشرون مرة عن ماكانت عليه من قبل كما أن تبني منذ 2015 نموذجا جديدا للاقاليم الجنوبية كان طفرة تنموية كبيرة ساهمت في خلق أقطاب للتنوع الوظيفي والاقتصادي إذ حدد أربعة أولويات همت تقوية البنيات التحتية لهذه الأقاليم سواء من خلال الطريق المزدوج السريع تزنيت الداخلة أو الميناء الجديد الداخلة الأطلسي ثم الأولوية الثانية هي ربط هذه الأقاليم الجنوبية بالشبكة الكهربائية الوطنية وبناء مركبات للتنوع في مجال الأبحاث والابتكار ثم الأولوية الثالثة هي تطوير الطاقات المتجددة عن طريق إضافة حقول ريحية جديدة واستثمار الطاقة الشمسية لخلق مراكز صغرى ومتوسطة لإنتاج الطاقة بالإضافة إلى محطات لتحلية مياه البحر والسقي لقرابة 5000 هكتارا كما هوالحال في الداخلة مثلا ثم الأولوية الرابعة هي الجانب الاجتماعي عبر اقتصاد تضامني والرفع من مستوى المرافق العمومية كما هو الحال بالمركز الجهوي الاستشفاءي للعيون أو محطات التطهير والتأهيل الحضري وغيرها بضخ استثمارات مهمة بلغت 85 مليار درهما موزعة على الجهات الثلاثة حسب نوعية المشاريع، وقد مكن ذلك بعد تنفيذ أكثر من 90% من البرنامج من الرهان ليس الوطني بل الدولي على واقعية وجدية المغرب تجاه اقاليمه الجنوبية وسمح بإطلاق المبادرة الملكية مؤخرا في الذكرى 48 للمسيرة الخضراء الموجهة لولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي وهو أمر يستشف منه أن تنمية هذه الأقاليم الجنوبية أصبحت رهان المغرب على عمقه الأفريقي.

 

س : أنت شاركت في الإنتخابات الماضية كيف تنظر لها بعين المطلع والمشارك؟

 

ج : مشاركتي في الإنتخابات الجهوية والتشريعية الأخيرة كانت تحكمها اعتبارات ذاتية وأخرى مرتبطة بالتمثيلية على مستوى جهة العيون الساقية الحمراء.

ماهو ذاتي مرتبط برسالة مفادها اننا لسنا منظرين بل نحن في الميدان ونملك من المواصفات الشرعية مايوهلنا للمنافسة لكي لا يستغل البعض ذلك، أما هاجس التمثيلية فهو مرتبط بمواجهة كل أشكال القطبية والهيمنة لتمثيلية متعددة، وتبقى في آخر المطاف محطة لها مالها ولن نكون من المحبطين أو الذين يبررون الفشل بل على العكس من ذلك واثقون من مفعول مشاركتنا ويعي الجميع بأن مرورنا لم يكن نزهة والإمكانيات التي يتوفر عليها المنافس لا تسمح بتقييم موضوعي للنتائج.

 

 

المصدر ميديا : المحجوب الأنصاري

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد