ترجمة سيدي قاسم ابن عبد المؤمن الغماري الإدريسي الحسني مقدّم ضريح مولاي الحسن وإمامه بالمشور السعيد

اسمه ونسبه:

سيدي قاسم بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن قاسم بن محمد بن محمد بن العارف سيدي عبد المؤمن الغماري الإدريسي الحسني، دفين تجكان بقبيلة بني منصور بغمارة سنة 1030ه.

ينتمي إلى أسرة شريفة النسب، إذ يتصل نسبها بالمولى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي كرم الله وجهه وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وجده الأدنى سيدي أحمد بن علي بن قاسم من كبار علماء غمارة، وكان قد عرف هو والده سيدي علي وجده سيدي قاسم لكثرة حفظهما وتبحرهما في علم القراءات بلقب”قشقاش” إمعانا في الحفظ والدراية والإتقان، وكل من تسلسل من هذا النسب يسمى ب “قشقاشن” وفيهم علماء، وقراء، ومفتون، وقضاة، وقد تُرجِم لبعضهم في “معلمة المغرب”.

حلاه العارف العالم قطب الأولياء المقريء الفقيه الصوفي البارع ابن عمه سيدي الحاج أحمد ابن عبد المؤمن 1262ه ب: الفقيه النبيه السري الوجيه الأستاذ المدرس المدقق الممارس سيدي أحمد بن الفقيه العلامة سيدي علي ابن عبد المومن، ووصفه في بعض رسائله أيضا ب: الأستاذ الماهر في الرواية والدراية..، وعرف جده سيدي قاسم ب “أمغار” أي الشيخ الكبير، العالم المتقن، وكان ذا حظوة ومكانة في غمارة.

وأما جده الأعلى سيدي عبد المؤمن بن محمد فقد قدم غمارة من تلمسان في القرن العاشر الهجري، وهو حفيد العارف سيدي عبد المؤمن الشهير بأبي قبرين وقبره مزار ببني يزناسن، وقد عرف بالتقوى والصلاح، وكان عالما مربيا تتلمذ على يد سيدي علي الشلي ت981ه، فأمره بالانتقال إلى بني منصور من قبائل غمارة، وهناك اشتهر بصلاحه وتربيته وتهذيبه للناس إلى أن توفي بها، وقبره مزار معلوم بتجكان.

ولادته ونشأته وطلبه للعلم:

ولد سيدي قاسم بن سيدي علي ابن عبد المومن الإدريسي سنة 1928م بقبيلة بني منصور بغمارة، وتلقى تعليمه الأولي بأحد مداشر القبيلة ويسمى “تكينزا”، فدرس القرآن الكريم بجامعها على يد شيخه وخاله الفقيه الورع سيدي الميموني، وأتقن حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وهو لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره.

وعلى عادة خروج الطلبة لاستكمال الحفظ والإتقان لكتاب الله رحل إلى شرق المغرب، وبالتحديد ضواحي بركان وأحفير، فأتقن الحفظ والرسم وما يتعلق بالمعارف القرآنية، واضطلع هنالك بمهمة تدريس الطلبة وهو بعد لم يكمل العشرين من عمره، ثم رجع إلى قريته، ليعود بعدها إلى تدريس الطلبة بالمنطقة الشرقية.

رحل بعد ذلك من شرق المغرب إلى فاس، فدخل إلى القرويين وشرع في حضور دروس العلماء، وكان أن لقي بها حافظ المغرب ابن عمه العلامة المحدث سيدي أحمد ابن الصديق 1380ه، فمكث مدة في ملازمته، وأفاد من دروسه، وكان ينسخ بعض كتبه، ومنها ما وقفت عليه من نسخه كتاب “الإقليد”، وكان مقيما مع شيخه بالزاوية الدرقاوية لسيدي الحاج أحمد ابن عبد المؤمن بفاس، ثم لما رحل الحافظ إلى مصر رحل إلى الزاوية الصديقية بسلا فأقام بها مددا، وقد عرف بصلاحه وتقواه، وسمته، وصمته، وتقديره لأهل الفضل إلى أن لقي مولاه.
وظائفه:
اشتغل سيدي قاسم بن علي الإدريسي لما كان مقيما بسلا بمكتبة الفقيه أبي بكر التطواني الواقعة قرب الأوداية بالرباط.

ثم عمل بعدها في مكتبة الطالب لمؤسسها عبد القادر المكناسي إلى حدود سنة 1959م. وقد اكتسب مهارة في معرفة الكتب وحذق الفهارس، والدراية بالمخطوطات، مع ولع بالقراءة والمطالعة وقضاء أغلب الأوقات في الدراسة والاطلاع.

وفي سنة 1959م التحق بالخزانة العامة بالرباط، وكان مناولا للكتب بها في قسم المخطوطات، وبقي قرابة ثلاث سنوات مشتغلا بها إلى حدود سنة 1962م.

وفي سنة 1962م عين في الخزانة الحسنية العامرة مع بداية تأسيسها، وكان من المؤسسين الأوائل بعد انتقال المخطوطات من خزانة القصر الملكي بفاس، وبقي قرابة ثلاث وثلاثين (33) سنة إلى حين بلوغه سن التقاعد سنة 1995م. وقد اشتغل طيلة الوقت منذ التأسيس إلى بلوغه سن التقاعد مع أربعة محافظين من جلة العلماء والمؤرخين والمحققين الكبار، وهم: الفقيه محمد داود، وعبد الرحمان الفاسي، ومحمد العربي الخطابي، وأحمد شوقي بنبين.

وكان عمله في الخزانة الحسنية في باديء الأمر مناولا للكتب، ثم مسؤولا على قسم المخطوطات، ثم مسؤولا في قسم الفهرسة، وقد أفاد من مصاحبته للفقيه العلامة المؤرخ الكبير سيدي محمد المنوني (ت 1420ه، 1999م)، ومساعدته إياه، فكان يكتب له الجذاذات، وكان مناولا للكتب عارفا بصنوفها ومجالات بحثها، وكان ينتقل معه حيثما انتقل من أجل الفهرسة والتحقيق.

وقد عمل في نفس الوقت مقدّما في ضريح مولاي الحسن بالمشور السعيد، كما كان إماما للصلوات الخمس بنفس الضريح.

وكان موصوفا بين كل المدراء والعاملين في الخزانة العامرة بالإخلاص والتفاني والانضباط إلى أن بلغ سن التقاعد.

كما كان قبلة لعلماء وشرفاء آل الصديق أجمعهم كلما زاروا الرباط، أو نزلوا إليها من طنجة، من أجل البحث، أو الاطلاع على المخطوطات، أو غير ذلك.

وقد زرته بمنزله العامر بالرباط قبل أشهر فكان صفيا حفيا، طويل التأمل، بهي الابتسامة، مشرق الوجه، حامدا محتسبا، رغم أن مرضه كان يعيقه عن الكلام، فقد أفدت من محاورته ولو بالإشارة رحمه الله وأجزل له المثوبة والأجر.

وفاته:
توفي رحمه الله بعد مرض أقعده مدة من الزمن، يوم الأربعاء 18 جمادى الثانية 1443ه، الموافق 19 يناير 2022م، بعد صلاة العصر، ودفن بالرباط.

الدكتور عبد الله عبد المومن*
أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد