دعا رئيس مجلس المستشارين، والقيادي في حزب الاصالة والمعاصرة حكيم بنشماش، متفاعلا مع ما يقع بالريف من خلال رسالة عنونها بـ”نداء العقل والقلب”،إلى رفع ملتمس للملك لإسباغ عطفه على منطقة الريف.
وطالب بنشماش – بعد الانتهاء من إنجاز مشاريع منارة المتوسط- بـ” رفع ملتمس للملك لإسباغ عطفه على المنطقة، مضمونه (الملتمس) تكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لقيادة ورعاية مسلسل تشاركي يفضي إلى صياغة واعتماد نموذج تنموي خاص بالريف، يستحضر، من جهة، ضرورة إعمال توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المتعلقة بجبر الضرر الجماعي، ومن جهةأخرى استثمار إمكانات ومؤهلات المنطقة، الجغرافية والتاريخية والبشرية،وخصوصا الإمكانات التي يتوفر عليها مغاربة العالم الذين ينحدر قطاع عريضمنهم من المنطقة”.
وإفتتح بنشماش رسالته قائلا : “هذا نداء أوجهه إلى كل من يعنيهم الأمر، نداء أكتبه ليس بصفتي رئيسا لمجلس المستشارين، ولا حتى مسؤولا بحزب سياسي.. أكتبه ببساطة بصفتي مواطنا مغربيا من الريف”.
وعبر بنشماش من خلال مقدمة إعتبرها لا بد منها قائلا: ” أتقاسم القناعة مع الذين يقدرون بأن اللحظة التاريخية التي يجتازها الريف في علاقته بالدولة هي لحظة تتوفر فيها الكثير من المقومات التي تجعل منها لحظة دقيقة وحرجة. وأكاد أجزم بأن البلد برمته يجتاز محكا صعبا.
وأضاف رئيس مجلس المستشارين: ” أتقاسم القناعة أيضا مع الذين يؤمنون بأن حساسية اللحظة التاريخية تستوجب من الجميع الترفع عن المزايدات العقيمة، وعن الاختلافات الحقيقية والوهمية من أجل توحيد الكلمة وتعضيد الجهود لإطفاء الحريق وتجنيب منطقتنا ووطنا السيناريو الأسوأ”.
وتعجب القيادي في حزب الاصالة والمعاضرة من ” حال أمة يصرف العديد ممن يفترض أنهم قادتها، من زعامات حزبية وسياسية ومن فعاليات مدنية وصناع الرأي العام، ورواد منتديات التواصل الاجتماعي، رصيدا غير قليل من طاقاتهم لرمي الجمر على النار، عِوَض العمل على إطفاء لهيبها تمهيدا لمعالجة جذورها وأسبابها، أيدرك هؤلاء أنهم بفعلتهم هذه إنما يساهمون في “صناعة” جيل جديد بجروح جديدة ؟!”.
وأضاف بن شماش: “إنني أقدر بأن المناخ المهيمن على منطقة الريف تحديدا، وعلى البلد برمته إلى حد ما، لا يسمح في الوقت الراهن بطرح وبحث الأسئلة والقضايا العميقة (المشروعة على كل حال)، والمرتبطة بجذور وأسباب ما حدث ويحدث، وأن الأولوية القصوى، الآن، هي المساهمة الملموسة، بنفس وطني، في نزع فتيل الأزمة واحتواء حالة التوتر والاحتقان، في أفق تهيئة الأجواء المناسبة لمناقشة أعمق للقضايا والأسئلة التي أفرزتها الاحتجاجات الشعبية، وبحث صيغ معالجتها بأسلوب الحوار الحضاري”.
وعلق حكيم بنشماش مضيفا: ” لقد أفرزت الاحتجاجات التي اتسعت رقعتها وامتدت في الزمان والمكان أسئلة عميقة وإشكاليات أعمق، بعضها جديد وبعضها الآخر قديم جديد. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الأسئلة المرتبطة بأزمة الثقة في المؤسسات التي استفحلت وبلغت أعلى درجاتها، والأسئلة المتعلقة بالأعطاب التي تشكو منها المؤسسات التي يفترض أن تضطلع بوظائف الوساطة بين الدولة والمجتمع، والأسئلة المرتبطة بانتشار وتعمق الشعور بالظلم و”الحكرة”، والأسئلة المرتبطة بمشروع الإنصاف والمصالحة الذي لم تستكمل كافة حلقاته، والأسئلة المرتبطة بالتحولات الجارية على مستوى البنية الديمغرافية، وبروز جيل جديد بهواجس وانتظارات جديدة، عجزنا عن فهمها واستيعابها، وتهييء الأجوبة المناسبة لها من خلال سياسات عمومية…”.
وأكد بنشماش ” لقد عاينا على امتداد سبعة أشهر من الاحتجاجات بروز وانتشار خطاب ينطوي على درجة كبيرة من الخطورة: خطاب التبخيس (تبخيس مجهودات الدولة والمؤسسات) خطاب التهييج (بما رافقه من استدعاء ماكر للذاكرة والتاريخ) خطاب الشعبوية المقيتة (مسايرة الجماهير في مطالبها وأهوائها المعقولة منها وغير المعقولة على حد سواء)، خطاب التخوين الذي لم يؤد فقط إلى تخوين المخالفين للرأي، والمنتقدين لبعض شعارات الحركة الاحتجاجية، ولمواقف بعض قادتها، أو أساليب قيادتهم للجماهير الغاضبة، وإنما أدى ببعض زعماء الأغلبية الحكومية إلى اقتراف أشنع الخطايا ( خطيئة توجيه تهمة الانفصال) في تطاول سافر على السلطة القضائية…”
وإسترسل بنشماش قائلا: “إن الواجب تجاه الوطن وأهلنا في الريف يقتضي إدراك خطورة الانقياد وراء هذا المنطق والتطبيع معه. والمطلوب الآن، وليس غدا، الترفع عن المزايدات والكف عن تأجيج الخلافات والاختلافات وعن تهييج المشاعر والعواطف”.
وتابع حكيم بنشماش قائلا: “إن خطوات بسيطة يمكن أن تترتب عنها أشياء عظيمة. وعلى الذين يصرون على إلقاء المسؤولية في ما حدث ويحدث، ويوجهون اللوم لهذه الجهة أو تلك (أيا كانت مواقعهم) أن يدركوا أنهم بفعلتهم هذه، إنما يصبون الزيت على النار. أقول ذلك ليس من باب التهرب من المحاسبة، لأنها واجبة بمقتضى الدستور، وإنما من منطلق الإيمان بأن شروط المحاسبة المنتجة والبناءة غير متوفرة في الظروف الراهنة، وبأن توجيه النقاش في هذا الاتجاه، الآن في ظروف ملتهبة ومتوترة، لن يفضي إلا إلى مزيد من رمي الجمر على الحطب”.
وقال القيادي بحزب الأصالة والمعاصرة مضيفا: ” لست من أنصار نظرية المؤامرة. وحدهم الجاحدون ينكرون أن شبابنا ونساءنا خرجوا إلى الشوارع للدفاع عن الحقوق الدنيا، من حقوق المواطنة، وأنهم لم يفعلوا ذلك إلا بعد أن نهشت “الحكرة” والظلم عظامهم. غير أنني مقتنع أشد ما يكون الاقتناع بأن ما عشناه ونعيشه على خلفية الاحتجاجات المتواصلة يؤشر على الالتقاء الموضوعي، حتى لا أقول التحالف الموضوعي، بين عدد من المتربصين باستقرار الوطن، المتحينين للفرص المواتية، الواقفين على قارعة الطريق، يستوي في ذلك بعض الذين قذفت بهم الانتخابات، المحلية و/أو الوطنية، إلى الهامش، والذين تحينوا الفرصة لتصفية حساباتهم الشخصية والفئوية، القديمة أو الجديدة، مع الدولة، أو مع النظام السياسي أو مع هذا الحزب أو ذاك، مثلما يستوي في ذلك أيضا صناع الخرائط الجيوبوليتيكية، الفاعلون في المتغيرات المتلاحقة التي يشهدها المحيط الإقليمي والدولي من حولنا”.
وعلق بنشماش على المضايقات والإعتقالات التي طالت نشطاء الحراك معبرا: “في أتون ذلك يتم الزج بمطالب المواطنات والمواطنين العادلة والمشروعة في حسابات السياسة وتقلبات إستراتيجياتها وتكتيكاتها، والمؤسف أنه في سياق ذلك يتم، أيضا، توظيف واستغلال معاناة المواطنين المعذبين، الذين لا يطلبون سوى رفع “الحكرة” والظلم المسلط عليهم، ولا يطلبون سوى حدا معقولا من الكرامة ومكانة محترمة في وطن يفترض أن يتسع لجميع أبنائه”.
وأضاف حكيم ” من أجل هؤلاء على الأقل، من أجل الأمهات اللواتي ذرفن ويذرفن الكثير من الدموع على فلذات أكبادهن، من أجل شبابنا الذين قدموا للعالم أروع الدروس في السلمية والحضارة ( رغم الانزلاقات هنا وهناك)، من أجل أبنائنا وإخواننا من مختلف القوات الأمنية الذين قدموا للعالم أروع الدروس في الصبر وضبط النفس، (رغم التجاوزات هنا وهناك)، من أجل أطفالنا الذين ينشؤون ويكبرون أمام أعيننا وهم حاملين لجروح، الله وحده يعلم أي أثر ستتركه على تركيبتهم النفسية والذهنية، من أجل هذا الجيل الجديد الذي سيحمل غدا مشعل مواصلة البناء، نناشد الجميع العمل بروح وطنية صادقة، لإنجاز مهمة مستعجلة هي الآن الأولوية القصوى المطروحة على الأجندة الوطنية في المرحلة الراهنة، ألا وهي أولوية احتواء حالة الاحتقان والتوتر ونزع فتيل الأزمة تمهيدا لإنضاج المناخ المناسب لمعالجة أسبابها”.
وتابع رئيس مجلس المستشارين ” إننا نترافع هنا عن فكرة نقدر أنها واقعية، مضمونها أن نزع فتيل الأزمة (تمهيدا لمعالجة أسبابها) أمر ممكن إذا التفت وتوحدت إرادات العقلاء في البلد. وما نخال أن ذلك بعزيز على أمة، اعتادت على طول تاريخها الممتد عميقا في التاريخ أن تواجه الأزمات والتحديات”.
وأردف بنشماش من خلال ما اسماه “عناصر مشروع مبادرة” مؤكدا على ” ضرورة الإقرار بعدالة ومشروعية الملف المطلبي للساكنة، وأن إقليم الحسيمةوالريف بشكل عام، بالنظر للخصاص التنموي المسجل، يستحق أكثر من سقفالمطالَب المعبر عنها. في السياق نفسه يقتضي الوضوح القول إن بعض المطالبالتي رفعت هي مطالب متهافتة، ومن غير المعقول أن تخرج مسيرات ومظاهرات تحتيافطتها (مثال شعار إسقاط ظهير العسكرة “.(
وطالب رئيس مجلس المستشارين “بإلغاء المظاهر الصارخة للتواجد الأمني المكثف في المنطقة”، مؤكدا أنه ” وإذا كان من الجائز أن نعثر على مبررات لهذا التواجد الأمني الكثيف في لحظةمن اللحظات، فإن الأغلبية الساحقة جدا من المشاركين والمشاركات فيالمظاهرات والمسيرات، برهنوا للعالم أجمع طيلة سبعة أشهر عن أسلوبهم السلميوالحضاري الراقي وعلينا اليوم أن نقر بأن استمرار وجودها بهذه الكثافة أمريساهم في الإبقاء على الوضع محتقنا، وفِي الوقت نفسه تقتضي الشجاعة القول،في هذا السياق، إن الدولة من واجبها أن تعبئ ما تراه مناسبا لحفظ وحمايةأمن المواطنات والمواطنين والممتلكات”.
ودعا القيادي في حزب الجرار إلى وقف الملاحقات والمتابعات والمطاردات، وتوفير أقصى الضمانات للمحاكمة العادلة لمن اعتقل من النشطاءتمهيدا لتهييء الأجواء لصياغة ملتمس مرفوع لجلالة الملك لإصدار عفوه الساميعن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات.
وطالب بنشماش ” الحكومة بالإعلان الرسمي والعلني عن المخطط التنفيذي، وفق جدولةزمنية بتواريخ مضبوطة معلنة، خاصة بكل وزارة على حدة، لإنجاز المشاريعوالبرامج التي يتضمنها برنامج التنمية المجالية لإقليم الحسيمة (منارةالمتوسط) والتي التزمت، بمقتضاه، أربعة عشر قطاعا حكوميا أمام جلالة الملكبإنجاز برامج ومشاريع تنموية داخل أجل نهاية 2019، وهي مشاريع نجزم أنهاتجيب على جزء هام للغاية من المطالب الاقتصادية والاجتماعية للساكنة”.
داعيا إلى إطلاق دينامية تأسيس مجلس إقليمي تنسيقي يضم منظمات المجتمعالمدني العاملة بالإقليم، أولا من أجل مواكبة وتتبع مدى التقدم في إنجازالمشاريع الملتزم بها أمام جلالة الملك وفق الجدولة الزمنية المعلنة،وثانيا من أجل احتضان النقاش والحوار الهادئ حول ما يتوجب اقتراحه كمشاريعوبرامج للترافع عنها من أجل ارتياد آفاق تنموية أرحب.
وأخيرا ناشد بنشماش أهل الريف، ” في الداخل والخارج، وبصفة خاصة العقلاء منهم، إلى مغالبة النفس وتقديم عربون من أجل إعادة بناء الثقة من خلال التوقف والكف عن الخروج إلى الشوارع. إنني لست هنا أتطاول وأصادر الحق المشروع المكفول دستوريا في التظاهر والاحتجاج، ولكنني أتصور أنكم ستبهرون أخوتكم المغاربة شركائكم في الوطن وستبهرون العالم مرة أخرى بتقديم درس إضافي في السلمية والحضارة مضمونه: حسنا، لقد وصلت رسالتنا إلى من يعنيهم الأمر، وها نحن عائدون إلى بيوتنا، تعبيرا منا عن حسن نيتنا، وأننا بهذا القرار نريد أن نوفر للحكومة الوقت والمناخ لنرى ما هي فاعلة بمطالبنا وانتظاراتنا”.