المشهورة …

حديث الأحد

وأنا جالس أحتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد وأشاهد بعض الفيديوهات على الانستغرام، صادفني فيديو لإحدى المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تحتفل مع اصدقائها على ظهر أحد اليخوت في عرض البحر، وتتكلم عن حياتها الجميلة وتصف أوضاعها المترفة، والسعادة التي تنعم بها، توقفت عند هذا الفيديو وشاهدته بتدقيق وإمعان، ليس لأن محتواه أغراني بل لأن لبطلته قصة عجيبة، تستحق أن تروى وتصلح مادة لفيلم قصير …

صاحبة الفيديو تسمى “شهيرة” وهي شابة في مقتبل العمر، من أسرة متوسطة الحال، بعد أن أتمت سنتين من الدراسة الجامعية، قررت أن تترك مقاعد الدرس والبحث عن عمل، وبعد فترة وجدت وظيفة عند كاتب عمومي من معارف والدها، الذي قبل توظيفها تطييبا لخاطر والدها الذي كان له فضل كبير عليه في السابق …

تشتغل “شهيرة” ساعات طوال وتعود للبيت كل يوم متعبة ومنهكة، وبعد أن تتناول ما تيسر من طعام، تلوذ بغرفتها عساها تنال قسطا من الراحة، وتطلع على ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا وأنها تقريبا أصبحت مدمنة كما الكثير من بنات وأبناء جيلها ..

وذات يوم دخلت “شهيرة” لغرفتها كما هي عادتها، وأخذت هاتفها النقال، وفتحت تطبيق “تيكتوك” وقررت تجربة خاصية البث المباشر، فتحت الكاميرا فإذا بالمتابعين يدخلون على البث، وبدأت “شهيرة” بدون إعداد أو تفكير مسبق تحدثهم عن نفسها، وعن برنامجها اليومي منذ الاستيقاظ صباحا، وكل ما تقوم به على امتداد النهار حتى لحظة الذهاب للفراش، واليوم الأول دخل البث المباشر على “شهيرة” بضع عشرات من المتابعين فقط، وفي اليوم التالي قررت إعادة التجربة، فكان عدد المتابعين هذه المرة أكبر، ويوم عن يوم بدأت “شهيرة” تتعود على البث المباشر وتبدع فيه أكثر، وأصبحت تعرض على المتابعين الذين أصبحوا بالآلاف “روتينها اليومي” بأدق تفاصيله، ما تأكل وكيف تأكل، وما تلبس وكيف تلبس، علاقاتها مع أسرتها، وأصدقائها وما يحدث معهم من أحداث، السعيدة والعكس، حتى أن البث المباشر أصبح يمتد لساعات طوال من النهار والليل ويشمل كل نواحي حياة “شهيرة” لدرجة انها عند النوم تترك البث المباشر مفتوح، والهاتف مقابل فراشها، لمن يشاء من متابعينا الأوفياء أن يرى صورة الإبداع في نومها !

سيبدأ أصحاب الإعلانات الاهتمام بقنوات “شهيرة” التي أصبحت مشهورة على السوشيال ميديا، وستبدأ عروض
الكولابوراسيون (collaboration ) تتقاطر عليها، والكولابوراسيون هو نوع من الاشهار يعمله بعض المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، يقومون بعمل اشهار لمنتوج معين في قنواتهم على السوشيال ميديا مقابل مبالغ مالية يتلقونها من الشركة التي تسوق ذلك المنتوج …

“شهيرة” دخلت نادي مشاهير السوشيال ميديا، وأصبحت تعيش على طريقتهم، تأكل حصريا في المطاعم الفاخرة، تسافر مع ركاب الدرجة الأولى على الطائرة، تلبس من الماركات الغالية، وكل هذا بطبيعة الحال تشاركه مع الملايين من متابعيها على المنصات المختلفة، من تيكتوك وانستغرام وسناب شات وكواي وفيسيوك وغيرهم من مواقع التواصل الاجتماعي …

وذات مساء و “شهيرة” راجعة للبيت على متن سيارتها الجديدة التي اشترتها مؤخرا من أرباح “روتينها اليومي” ، وبطبيعة الحال وهي على المباشر، وتخبر المتابعين عن أحداث يومها الطويل، ستقوم بتجاوز شاحنة كبيرة في خط متصل، وبسرعة كبيرة، ستصدمها حافلة قادمة في الاتجاه المعاكس …

كل هذا ومحبي “شهيرة” ومتابعيها يشاهدون ويتفرجون على الحادث مباشرة، فالبث المباشر لم ينقطع، ولكن روتين “شهيرة” اليومي سينقطع إلى الأبد …!

أول سيارة تصل لموقع الحادث مباشرة بعد حدوثه، يقودها شاب صغير، للتو فتح حساب على السوشيال مديا، وكان همه الكبير هذه الأيام البحث عن طريقة لتكبير قناته وجذب المتابعين، أخذ الشاب هاتفه النقال بسرعة، ليس لكي يتصل بالاسعاف أو لطلب النجدة، بل ليعمل بث مباشر من مكان الحادث، وليعمل البوز، فتحقق له ما أراد …

مئات الآلاف من الناس شاهدوا البث الحي المباشر لموقع الحادث والضحية التي تحولت في رمشة عين من مشاهير السوشيال ميديا إلى مادة ومصدر لتحقيق الشهرة لأحد الوافدين الجدد على السوشيال ميديا … !

لا بأس … ! عادي … !

كل شيء يهون في سبيل البوز والشهرة … !

وإلى الأسبوع المقبل .

كتب : د. ماءالعينين سعد

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد