العروس الأفغانية …

حديث الأحد ..

بينما أنا جالس أحتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد، وأشاهد برنامج يتحدث عن اقتراب الذكرى الثانية لانسحاب القوات الأمريكية من “أفغانستان” الأمر الذي حدث منذ ما يقرب من سنتين، وبالضبط يوم ال 30 من غشت سنة 2021 … تذكرت قصة صبية أفغانية إسمها “رحمة” القصة التي سمعتها ذلك الزمن وأنا صغير، وأثرت في كثيرا …

هذه القصة حدثت في أفغانستان زمن الحرب الأهلية التي امتدت بين عامي 1989 و 1996، بعد انهزام “الإتحاد السوفياتي” على يد “المجاهدين الأفغان” وخروجهم من أفغانستان، الشيء الذي أدى لاحقا إلى سقوط “الإمبراطورية السوفياتية” …

و”المجاهدين الأفغان” هم تلك المجموعة من المقاتلين الافغانيين الذين كانت تدعمهم الولايات المتحدة الأمريكية بالمال والسلاح، لتدمير عدوتها آنذاك “الاتحاد السوفياتي” …

هؤلاء “المجاهدين الأفغان” وبعد انتصارهم على العدو الخارجي السوفياتي، دخلوا فيما بينهم في حرب أهلية طاحنة في سبيل الاستيلاء على السلطة والسيطرة على العاصمة الأفغانية كابول، فعاثوا في الارض الفساد، ودمروا ما تبقى من أفغانستان …

“رحمة” صبية كانت تبلغ من العمر أربعة عشر عاما وهي من سكان العاصمة كابول، ومن تقاليد المجتمع الأفغاني عموما أن النساء في البوادي يتزوجن في سن جد صغيرة، وفي الحواضر الكبيرة، كالعاصمة كابول ممكن أن يتأخر سن الزواج قليلا، والصبية “رحمة” ذات الأربعة عشرة ربيعا كانت عندهم حكما في سن الزواج …

والمرأة الافغانية استثنائية بكل المقاييس، فهي على قدر كبير من الجمال، وتتمتع بصلابة وقوة نادرا ما تتمتع بها من سواها من نساء العالمين، ومرهفة الحس، والكثيرون لا يعلمون أن العديد من أشهر أغاني دول آسيا الوسطى، هي أشعار من تأليف نساء أفغانيات …

والأفغانية كذلك تتكلف تقريبا بكل المهام المعيشية، لأن الرجال عندهم ومنذ عشرات السنين لا انشغال لهم إلا إطلاق الرصاص على الغريب وعلى بعضهم البعض …

وبالعودة للصبية “رحمة” ففي أحد الأيام وبينما هي في منزل جدتها جالسة بين يديها تسرح لها شعرها، وتغني لها أغاني الحب والزواج، والصغيرة تسبح في أحلام اليقظة، حيث ترى نفسها عروسا، مرتدية لباس العرس الافغاني الزاهي الألوان، وبجنبها جالس عريسها، والنساء يضربن الطبل ويغنين فرحا بهذا القران …

فجأة وهي مستغرقة في هذا الحلم الجميل، ستسمع “رحمة” وجدتها صوت مركبات كثيرة تدخل الحي الذي فيه بيتهم، ويبدأ إطلاق نار كثيف في الهواء، فلقد جاء المقاتلين من أحد الأطراف المنخرطة في الحرب الأهلية للحي، وبدأوا في كسر أبواب البيوت والهجوم على من فيها ونهب الممتلكات، وإطلاق الرصاص على من في الداخل من رجال وأغلبهم من العجائز، لأن الرجال القادرين على حمل السلاح كانوا أصلا في مكان ما يقاتلون مع الفصيل الذي ينتموا له، كما قام هؤلاء المقاتلين المقتحمين بإخراج من هناك من النساء، كل النساء حتى الصبايا الصغيرات في السن، وإرغامهن على الصعود في المركبات، حيث سيتم اقتيادهن لمصير مجهول، وغالبا سيتم اقتسامهن كغنيمة حرب بين المقاتيلن، وسيتعرضن للاغتصاب والاستعباد، كما كان عليه الأمر في تلك السنين أثناء الحرب الاهلية الأفغانية …

كل هذا و”رحمة” وجَدَّتُهَا مختبئتان وتراقبان الوضع من خلال شق صغير في النافذة، وفجأة لمح أحد المقاتلين طيف “رحمة” من بعيد في بيتهم الذي يتواجد في أطراف الحي، فصرخ في رفاقه بما معناه ان هناك أحدهم في ذلك المنزل المعزول هناك، منزل جَدَّة “رحمة” فانطلق بعضهم صوب البيت، يكسرون الباب لدخوله، وما كانت من العجوز ” إلا أن صرخت قائلة لحفيدتها :
النافذة … شرفك !
النافذة … شرفك !
وتشير بأصبعها ل”رحمة” أن ألقي بنفسك من النافذة حتى لا يدنس هؤلاء المقاتلين شرفك ..
ومن دون تردد قامت الصبية “رحمة” وقفزت من النافذة لتلقي بنفسها نحو العالم الآخر …

فالموت عندهم مرادف للشرف …

لن تكبر الصغيرة “رحمة” …

ولن تلبس ثوب زفافها، ولن تزف لعريسها على الأقل في هذه الحياة الدنيا …

كل هذا بسبب رجال، أنجبتهم مخلوقات من جنس الصغيرة “رحمة” … !

وإلى الأسبوع المقبل … في أمان الله.

(هذه القصة مبنية على أحداث حقيقية)
إن أعجبك شاركه.

كتب : الدكتور سعد ماء العينين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد