الصين.. الابتكار والمرونة في مواجهة التحولات الجيوستراتيجية

يبدو أن التحولات الجيوستراتيجية العميقة تأثر على سعي الصين لتحقيق أهدافها الاقتصادية الكبرى، الشيء الذي يدركه مسؤولو البلد، وهو ما يجعلهم مصممين على تنشيط التجارة الخارجية على وجه الخصوص، التي تعتبر الضحية الأولى لحالة عدم اليقين الذي يخيم على البيئة الدولية.

وفي بداية 2023، وهي سنة حاسمة بالنسبة للصين بعد ثلاث سنوات من تفشي الوباء، عاد اقتصاد البلد لمساره، مع نمو بنسبة 4,5 في المائة في الفصل الأول، فيما تم تحديد هدف 5 في المائة على مدار السنة.

وهكذا، فإن الصين تخوض على مستوى التجارة الخارجية، معركة كبيرة في السياق العالمي الحالي المليئ بالتحولات. وبحسب بيانات جمارك البلد، بلغت التجارة الخارجية للصين حوالي 1,92 تريليون دولار في الأشهر الأربعة الأولى من سنة 2023، وارتفعت الصادرات بنسبة 10,6 في المائة.

وتشير هذه الأرقام لآفاق إيجابية، لكنها، مع ذلك، تخفي تحديات هائلة لبلد يحاول، رغم كل الصعاب، الحفاظ على مكانته في الصناعة وسلاسل التوريد، وأيضا تعزيزها.

وبالتالي فإن المخاطر متعددة، وتتراوح بين أزمة الركود التي تخيم على أفق الاقتصاد العالمي، إلى التغيرات على مستوى سلسلة التوريد، مرورا بضعف الطلب الخارجي، وخصوصا الحرب الاقتصادية والتجارية بين العملاق الآسيوي والولايات المتحدة، أكبر قوة اقتصادية في العالم.

ومن أجل مواجهة هذه البيئة المتسمة بالشكوك، يعد الابتكار والمرونة كلمات مفاتيح في خطابات مسؤولي البلد، ذلك أن الابتكار في تنفيذ سياسات جديدة تعيد ضبط العلاقات التجارية مع العالم الخارجي، والمرونة في الجهود المبذولة لإعادة وضع الصين في السلاسل العالمية، التي تعد الساحة الكبرى للمواجهة بين الصين، والولايات المتحدة.

وفي أبريل الماضي، حذرت وزارة التجارة الصينية من أن المبادلات التجارية للبلد تواجه “وضعا قاتما”، مع الاعلان عن مجموعة من الإجراءات تروم استقرار القطاع.

وقال وانغ شو ون، مفاوض التجارة الدولية، ونائب وزير التجارة، إن وضع التجارة الخارجية للصين لا يزال “معقدا وقاتما”، مشيرا إلى أن هذا الوضع يعزى لضعف الطلب الخارجي، لاسيما الانخفاض القوي للمبادلات مع الدول المجاورة.

وفي ظل هذا الوضع، أجرى مجلس الدولة، أعلى هيئة إدارية بالبلد، دراسات حول السياسات والإجراءات الكفيلة باستقرار الصادرات.

وأكد المسؤولون الصينيون في هذا السياق، أن الاستخدام الأفضل لاتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها الصين مع العديد من البلدان يوجد ضمن جدول الأعمال، مسجلين أن الأمر يتعلق على الخصوص بتنشيط الصادرات من خلال تكثيف علاقات التعاون، لا سيما مع البلدان المصنفة كأسواق صاعدة.

وبدأت الآلة تتحرك في هذا الاتجاه، حيث تم إرسال العديد من الوفود التجارية، لا سيما إلى الشرق الأوسط، وأوروبا، وكوريا الجنوبية، وحتى الولايات المتحدة بهدف توسيع الأسواق لهذا العملاق الآسيوي الساعي دائما للبحث عن أسواق جديدة.

ويعتبر المحللون أن دولا مثل الهند، وفيتنام، وتركيا، نجحت في إنشاء قاعدة صناعية قوية تنافس علامة صنع بالصين، مستفيدة، في هذه العملية، من مزايا في أسواق، من قبيل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة.

ويقول المحللون إن الإشعاع الدولي الذي حظيت به الصين بعد أن نجحت في برامجها الواسعة للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، يوجد في اختبار صعب، مشيرين إلى أن قضايا “الأمن القومي” التي تلقي بظلالها على خلفية المواجهة الصينية الأمريكية تعقد المسألة.

ويتعين أن تحتل هذه المواجهة صدارة النقاشات في قمة مجموعة السبع، التي ستفتتح غدا الجمعة في هيروشيما باليابان. وأشارت الصحافة الغربية إلى نقطة رئيسية في جدول أعمال هذا الاجتماع “أية وحدة في مواجهة الصين؟”

من جانبها، تسعى الصين لأن تكون ” مط م ئ ن ة وم ط م ئ ن ة”. ويؤكد البلد أن اختياره للانفتاح لا رجعة فيه، وأنه لا يزال مستعد للعمل مع القوى الكبرى الأخرى “لتقاسم مكاسب التنمية”.

وتفتخر الصين بشبكة الشركاء الواسعة التي تمكنت من تأسيسها من خلال مبادرات مثل الحزام والطريق.

كما يرتبط البلد بشراكة اقتصادية إقليمية شاملة، تضم اليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، ونيوزيلندا، والدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان).

وبحسب البيانات الرسمية، بلغت التجارة بين الصين وأعضاء الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة الآخرين 11,800 مليار يوان (1,620 مليار أورو) بين يناير ونونبر 2022، أي بزيادة قدرها 7,9 في المائة على أساس سنوي، وتمثل 30,7 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للصين.

ولكن يبدو أن الصين تراهن على الجوار المباشر من أجل تعزيز سلاحها التجاري في الخارج. ويستعد البلد لتعزيز علاقاته مع منطقة آسيا الوسطى، وهي قاعدة خلفية حقيقية للبلد.

وهكذا، ستعقد قمة بين الصين وآسيا الوسطى هذا الأسبوع بمدينة شيان، عاصمة إقليم شنشي شمال وسط البلد، بمشاركة رؤساء كازاخستان، وقرغيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان.

ومن الواضح أن التعاون الاقتصادي سيكون في صلب المناقشات خلال هذا الاجتماع، وهو الأول من نوعه بين دول منطقة لديها احتياطيات ضخمة من الغاز، وتحتل موقعا جغرافيا ذو أهمية استراتيجية كبيرة.

وبحسب وزارة التجارة الصينية بلغت المبادلات التجارية بين الصين ودول آسيا الوسطى الخمس مستوى قياسي وصل إلى 70,2 مليار دولار سنة 2022، أي حوالي 100 مرة ضعف الحجم قبل 30 سنة.

وتسعى الصين للاستفادة من هذه القاعدة الإقليمية القوية على أمل مواجهة محاولات “العزلة” القادمة من أماكن أخرى.

 

المصدر ميديا : و م ع 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد