كانت هذه هي مداخلة ادريس السنتيسي رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، خلال مناقشة البرنامج الحكومي الذي تقدم به عزيز أخنوش رئيس الحكومة:
نناقش اليوم البرنامج الحكومي الذي تقدمتم به أمام البرلمان طبقا للفصل 88 من دستور المملكة، وكما يعلم الجميع فإن هذه اللحظة الدستورية حصيلة منطقية لاستحقاقات انتخابية نجحت بلادنا في تنظيمها في موعدها، رغم السياقات والظروف الاستثنائية التي أحاطت بإجراء هذه الانتخابات. ولا يمكننا إلا أن نثني على الإرادة والجرأة التي تحمل في طياتها إصرارا ملكيا على ترسيخ وتوطيد الاختيار الديمقراطي كمبدأ دستوري لا محيد عنه.
نتقدم إليكم، رئيس الحكومة، وإلى الوزراء بخالص التهنئة على الثقة المولوية السامية، فنجاح الحكومة هو بالطبع نجاح للمغرب، وأملنا كبير في أن تنجحوا في تحقيق انتظارات المغاربة، والأمل الكبير الذي عقدوه على هذه الأغلبية وعلى البرامج والشعارات التي بفضلها حازت على أغلبيتها.
نخاطبكم اليوم، رئيس الحكومة، وقد اخترنا عن قناعة وإيمان التموقع في المعارضة، معارضة كاملة، معارضة تقييمية وتقويمية، معارضة تساند كل القضايا الجوهرية ذات العلاقة بالمصالح العليا للبلاد ومصالح المواطنات والمواطنين، تتصدى بقوة لكل ما لا يتماشى مع اختياراتنا الديمقراطية.
وواصل: بعد استماعنا واطلاعنا في الفريق الحركي وهو امتداد لحزب الحركة الشعبية على ما تسمونه تجاوزا “البرنامج الحكومي” تبين لنا بأننا إزاء تصريح حكومي أو تعبير عن نوايا وتطلعات ليس إلا، وليس برنامجا حكوميا، كما ينص عليه الفصل 88 من الدستور” فالبرنامج الحكومي يجب أن يتضمن مؤشرات مرقمة محددة في الزمان والمكان، بأهداف مرتكزة على مشاريع قوامها الإلتقائية والتناسق والقدرة على التفعيل، واستراتيجيات مندمجة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مؤطرة بالكلفة المالية اللازمة ومعززة بالنتائج المتوقع تحقيقها.
إن العنوان الأبرز لهذا التصريح –في تقديرنا– هو كونه تصريح متداخل، فثارة يستقي من التجربة الحكومية السابقة دون أن يشير إليها وكنتم من إحدى مكوناتها بالحقائب الوزارية المدبرة من طرفكم، وثارة أخرى يضع فقرات من البرامج الانتخابية لأحزاب الأغلبية بدون خيط ناظم بينها.
إنه برنامج في نظرنا يفتقد إلى هوية ومرجعية تؤطره؛ برنامج يفتقر إلى الإبداع والابتكار ويقتصر على بعض الأولويات وهي أولويات ليست بالجديدة كالصحة والتعليم والتغطية والحماية الاجتماعية وبتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية. وفي هذا السياق تحدثم عن الزيادة في ميزانية التعليم وميزانية الصحة للوصول الى نسبة الناتج الداخلي الخام المعتمد من قبل منظمة الصحة العالمية وهذا أمر جيد، لكن كيف؟ وعلى حساب أي قطاع، علما انه لا يمكن اللجوء الى الاقتراض من اجل تدبير ميزانية التسيير.
وفي سياق متصل قال: لكن بالمقابل، هناك إشارات شبه محتشمة لقطاعات وسياسات عمومية أخرى، كالتجهيز والنقل والثروة المائية والتحول الرقمي والتفاوتات المجالية والاجتماعية والتحول الطاقي وإصلاح الإدارة والبحث العلمي وغيرها؟ بل إنه تصريح لا ينسجم مع الهندسة الحكومية نفسها. وهنا دعوني أطرح بعض التساؤلات:
- أية آليات لتفعيل مضامين النموذج التنموي؟ ليس هناك أية إشارة إلى الأوراش التي تعتزم الحكومة إنجازها.
- ما هي مؤشرات ركائز الدولة الاجتماعية؟ وكيف سيتم تمويل السياسة الاجتماعية؟
- بخصوص الصندوق الخاص بالأمازيغية الذي رصد له 1 مليار درهم بحلول 2025، يطرح التساؤل عن موارد تمويل هذا الصندوق وأوجه ومجالات صرفها؟
- بأية ميكانيزمات سيتم تحفيز الاقتصاد الوطني؟
- وما هي السياسة الجديدة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين؟ لاسيما ونحن في خضم موجة غير مسبوقة في ارتفاع المواد الاستهلاكية؟
- ما هي مقاربتكم للتحكم في الأسعار وحماية المستهلك؟ والتحكم في التضخم؟ والتحكم في المديونية والعجز وتوازن الميزان التجاري؟
- لماذا أغفل البرنامج الحكومي، السيد رئيس الحكومة، إحداث منظومة وطنية متكاملة تتعلق بالمخزون الاستراتيجي للمواد الأساسية لاسيما الغذائية والصحية والطاقية، كما أكد على ذلك صاحب الجلالة نصره الله في الخطاب الافتتاحي للبرلمان الحالي؟
- على مستوى آخر يطرح التساؤل أيضا: ما هي مقاربتكم بخصوص إصلاح أنظمة التقاعد؟
- لماذا اقتصرتم على فئات دون أخرى فيما يتعلق بتحسين الأوضاع المادية والاجتماعية كالمتقاعدين والأجراء والموظفين الذين يعانون في صمت؟
- ما موقع القطاع الخاص في برنامجكم؟
- على مستوى البحث العلمي، نسجل غياب الاستثمار في الابتكار، وهنا نتساءل: عن التدابير التي ستتخذونها لرفع حصة البحث العلمي والتي لا تتجاوز نسبة 0.7% من الناتج الداخلي الخام؟
- ما هي التدابير والإجراءات المتخذة لتعزيز الاستثمار في القطاع العمومي في علاقته بالقطاع الخاص؟
- ما هي الأجندة التشريعية التي ستدشنون بها تعاونكم مع المؤسسة التشريعية؟
فضلا عن ملاحظاتنا السابقة، نلاحظ بأن إجراءات رفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20% تنحصر في تطوير العرض الوطني للحضانات، والمأمول أن يرتفع هذا النشاط إلى المستوى الذي يحقق المناصفة الحقيقية.
لم نسجل أيها الرئيس أية إشارة إلى التنمية القروية والعالم القروي والفلاح الصغير والجبل.
وأضاف: لقد حاولنا إحصاء عدد الالتزامات التي تضمنها البرنامج، لكننا فوجئنا باستغراب بأنها نوايا وأماني معدودة، حيث أن أغلب التعهدات جاءت في شكل تسويفات أو مسبوقة بعبارة “الحكومة تؤكد على ضرورة كذا…” و”الحكومة ستسعى إلى كذا…” والمثير في الأمر أن هذا البرنامج لا يتضمن أرقاما أو مؤشرات واضحة، ولا على مصادر التمويل أو طرق الإنجاز، بل إن البرنامج الذي استنسخ فقرات من النموذج التنموي الجديد، لم يرفقها بآليات الأجرأة أو مواعيد التنفيذ.
لقد كنا ننتظر بأن يتضمن برنامجكم توطيد وتعزيز المشاريع الكبرى وإبداع مشاريع أخرى من جيل جديد، لكننا لم نلمس شيئا من هذا القبيل. وهنا نتساءل:
- ما هي الآليات المتخذة لتنزيل البرنامج الوطني للماء الذي أطلقه جلالة الملك؟
- ما هي السدود والموانئ الكبرى والطرق السيارة وغيرها من المشاريع الكبرى التي تعتزمون إنجازها؟
أشرتم في معرض تصريحكم إلى دعم الطبقة الوسطى بما فيها الطبقة الوسطى بالعالم القروي؛ نحن لا يمكننا إلا أن ننخرط معكم في هذا التوجه، لكن بأية مقاربة ستدعمون هذه الطبقة الوسطى؟ ولماذا انتظرتم كل هذه المدة لتفعيل المنطوق الملكي في خطاب افتتاح البرلمان لسنة 2018 بخصوص تقوية الطبقة الوسطى الفلاحية؟ وأنتم أشرفتم على هذا القطاع لأزيد من 15 سنة.
وفي ذلك لم تحظى الفئات الهشة والفقيرة، بالاهتمام اللازم في هذا البرنامج باستثناء صيغ الدعم المباشر لبعض الفئات، التي لا تشكل إلا استمرارا لما قررته الحكومات السابقة.
وهنا لابد من التطرق إلى إشكالية البطالة وانسداد آفاق الشغل التي تعاني منها هذه الفئات بالإضافة إلى حاملي الشهادات الجامعية العليا، لاسيما بعد تداعيات أزمة كورونا، فأنتم تتعهدون بتشغيل مليون عاطل على امتداد خمسة سنوات، وهو عدد ضئيل جدا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأعداد الهائلة من العاطلين. لكن السؤال المطروح: هل يتعلق الأمر بالقطاع العام أم القطاع الخاص أم بهما معا؟ هل يتعلق الأمر بمليون عاطل الذين تم تسريحهم بسبب جائحة كورونا؟ أم بفرص شغل جديدة؟ علما أن هذا الرقم غير واقعي إذا اعتبرنا أن الحد الأدنى من المناصب المفقودة سنويا يصل إلى 100.000.
وفي هذا السياق، لا نعتقد بأن معدل النمو الذي حددتموه كأفق خلال الخمس سنوات المقبلة، أي 4% قادر على ربح رهان توطيد التشغيل والتقليص من البطالة (معدل 4% كنسبة نمو لن تتجاوز 500 ألف منصب في خمس سنوات وليس مليون فرصة عمل). فلا يمكن علميا ومنطقيا ربح رهان التشغيل بدون رفع معدل النمو والرفع من وتيرة الاستثمار.
مشيراً إلى بعض النقاط الهامة قال: لقد تضمن برنامجكم مجموعة من مجالات التعاون مع الجهات والجماعات الترابية في إطار توطيد اللامركزية واللاتمركز الإداري. لكننا لم نلمس أية إرادة في دعم هذه الجماعات والجهات وخاصة الفقيرة منها أو التنازل لها عن بعض الاختصاصات باعتبارها شريكا في التنمية. وهنا لابد أن تجيبونا عن بعض الأسئلة التي نعتبرها جوهرية:
- ما مآل ميثاق اللاتمركز الإداري وطريقة تدبيره في ظل هذه الحكومة؟
- هل الحكومة مستعدة لرفع اليد عن الاختصاصات الموكولة للجهات؟
- وهل هناك نية في إعادة النظر في توزيع معايير الدعم على الجهات، باعتماد معيار المجال الجغرافي عوض عدد السكان، حتى تتحقق تنمية الجهات الشاسعة الفقيرة؟
- كيف ستفعلون الحكامة الجيدة التي وردت في تصريحكم بدون الإشارة إلى مكتسب دستوري، ألا وهو ميثاق المرافق العمومية الصادر هذه السنة والمنشور بالجريدة الرسمية في يوليوز 2021.
وختم ذات المتحدث مداخلته قائلاً: على العموم، وبكل أسف نعتبر هذا البرنامج دون الطموحات ولا يستجيب للعديد من الرهانات المجتمعية ولا لمجموعة من الفئات التي ورد ذكرها في هذا البرنامج بشكل عابر كمغاربة العالم والشباب وغيرهم. بل إن البرنامج لم يؤسس لأية رؤية واضحة لبعض القطاعات كالسياسة الخارجية والثقافة والبيئة. وتقوية العرض السكني وتخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، بما في ذلك الامتيازات واقتصاد الريع وغيرها.
إن الحركة الشعبية التي بصمت التاريخ الوطني من خلال مختلف المحطات التي عرفتها بلادنا منذ الحصول على الاستقلال إلى اليوم كما أسلفنا، تؤكد إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد بأنها ستظل وكما كانت على الدوام متشبتة بثوابتها، متمسكة بمقدساتها، حريصة على هويتها الوطنية بوحدتها المتنوعة، متجندة على الدوام للوقوف إلى جانب جلالة الملك للتصدي لكل المناوئين وأعداء وحدتنا الترابية ومواصلة النضال لاستكمالها وللدفاع عن قيمنا النبيلة متخندقين في أي موقع يمكنه أن يسهم في أمن واستقرار وخدمة البلاد وتطورها ونمائها. معلنين في الختام بأننا لن نكون إلا بنائين وموضوعيين في التعامل مع أية محطة سياسية، وضمنها هذه المحطة الدستورية التي قررنا على ضوئها تبني موقف الرفض للبرنامج الحكومي، الذي سنتخذ بخصوص تنفيذه وتفعيله المواقف المناسبة في حينها. وفقنا الله لما فيه خير بلادنا وشعبنا تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة نصره الله وأيده.