نظمت رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أوروبا وبحضور كريستيل دكريم، رئيسة لجنة اتفاقية لانزاروت، ورشة عمل حول موضوع ” آليات التكفل بالأطفال ضحايا الاعتداءات الجنسية في ضوء العمل القضائي الوطني ومبادئ اتفاقية لانزروت”، وذلك يومه الاربعاء 25 أكتوبر 2023 بمقر رئاسة النيابة العامة بالرباط.
في هذا السياق قال الحسين الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ” لا يخفى عليكم ما توليه بلادنا من أولوية للنهوض بأوضاع الطفولة وما تبذله من مجهودات حثيثة ومستمرة لضمان مختلف أوجه الحماية التي يحتاجها الأطفال، سواء القانونية منها أو الاجتماعية تنزيلا للرؤية الملكية السامية والعناية الخاصة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده لقضايا الطفولة، والتي أكدها جلالته في العديد من خطبه السامية، نورد منها ما جاء في الرسالة الملكية لجلالته بمناسبة اطلاق حملة مدن افريقية بدون اطفال في الشوارع بتاريخ 24 نونبر 2018 إذ قال”يحظى الدفاع عن قضية الاطفال بإجماع وطني في المغرب حيث يتكامل عمل الدولة مع الالتزام الانساني والثابت للمجتمع المدني
…فيجب الا تنحصر جهود حماية الأطفال في الحفاظ على سلامتهم الجسدية والمعنوية والنفسية، بل ينبغي ان تقترن أيضا بتوفير الشروط الكفيلة بالنهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والتفافية.” انتهى النطق الملكي السامي “.
وأضاف الداكي ” إن حرص بلادنا على تكريس حقوق الأطفال وحمايتها كيفما كانت وضعيتهم، يتأكد من خلال مصادقتها على العديد من الاتفاقيات والصكوك الدولية، سواء تلك التي تعنى بشكل مباشر بحقوق الأطفال وعلى رأسها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وكذا البروتوكولين الإضافيين المحلقين بها، أو غيرها من الاتفاقيات التي لها صلة وثيقة بهذه الحقوق، كالاتفاقية الأوروبية لبودابيست المتعلقة بمكافحة الجرائم الالكترونية وبروتوكولها الإضافي الأول، والتي دعت الدول الأطراف إلى اعتماد ما يلزم من تدابير تشريعية وغيرها لحماية الأطفال من الاستغلال الجنسي في المواد الإباحية . ومن نفس المنطلق وتكريسا للانخراط الفعال في الدينامية الدولية الرامية إلى التصدي لكل أشكال الاعتداءات على الأطفال بادرت المملكة المغربية سنة 2013 إلى التوقيع على اتفاقية مجلس أوروبا بشأن حماية الأطفال من الاستغلال والاعتداء الجنسي، في انتظار استكمال إجراءات المصادقة عليها باعتبارها لبنة أساسية في بناء الحماية والوقاية لحقوق الطفل” .
وتابع الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض” ووفاء بهذه الالتزامات الدولية عمل المشرع المغربي على ملاءمة الترسانة القانونية الوطنية لتتماشى والقيم والمبادئ الكونية المتعارف عليها، حيث تضمنت العديد من المقتضيات الزجرية التي رصدت جميع أشكال الاستغلال والاعتداءات ضد الأطفال بما فيها الاعتداءات الجنسية بمختلف صورها وخصتها بعقوبات صارمة ومشددة تعكس إرادة المشرع القوية في التصدي بكل حزم لهذا النوع الخطير من الجرائم الذي يهدد سلامة النشأ عماد الأمة ومستقبلها، كما سنت تدابير حمائية لمواكبة الأطفال الضحايا ومساعدتهم على تجاوز ما لحقهم من ضرر وإعادة إدماجهم داخل المجتمع .
وأكد ذات المتحدث على توفير الحماية القانونية للأطفال من مختلف الاعتداءات وخاصة الجنسية منها موضوع يحظى باهتمام جميع الدول التي أصبحت تدق ناقوس الخطر بفعل عدد القضايا التي يتم تسجيلها سنويا، وباتت تؤرق الأسر والآباء بسبب خوفهم على فلذات أكبادهم من أن تطالهم أيدي المنحرفين الذين لا يتورعون عن إيذاء الأطفال واستغلالهم، ناهيك عن المخاطر الناتجة عن تطور التكنولوجيا العصرية، والتوسع الكبير في استخدام شبكة الانترنت والآليات الرقمية، التي أصبحت مصدرا لأشكال متعددة من الجرائم الحديثة التي تتميز بالسرعة في التنفيذ وباتساع نطاقه، كما تتسم بسهولة محو آثارها، وهو ما يستغله الجناة في استدراج الأطفال الضحايا واستغلالهم جنسيا متخطين بذلك كل الحدود والمسافات، حيث باتت هذه الجرائم قادرة أن تطال الأطفال أينما وجدوا وتنال من براءتهم بكل وحشية، وهو ما يتطلب تظافر الجهود أكثر من أي وقت مضى للتصدي لهذه الجرائم المستحدثة بالحزم والصرامة اللازمين.
من هذا المنطلق واعتبارا للاختصاصات المنوطة برئاسة النيابة العامة في مجال تنفيذ السياسة الجنائية الوطنية، فإنها ما فتئت تولي قضايا الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال بمختلف صورها عناية خاصة وتضعها ضمن برامجها الاستراتيجية ولا تدخر جهدا لتسخير كل الإمكانيات المتاحة لتوفير الحماية اللازمة للأطفال من جميع صور هذا الاستغلال، وقد بادرت إلى توجيه العديد من الدوريات إلى النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة، تضمنت توجيهات تحثهم فيها على تعزيز الحماية القانونية للأطفال من كل أنواع العنف والاستغلال وإساءة المعاملة، مع الحرص على التطبيق الصارم للقانون في مواجهة مرتكبي هذه الجرائم وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، حيث سجلت مختلف النيابات العامة ما مجموعه 3295 قضية اعتداء جنسي ضد الأطفال برسم سنة 2022 بما يناهز أكثر من 41 % من مجموع جرائم العنف المرتكبة في حق الأطفال.
كما أكد على الانخراط في برامج تعاون دولية تروم تعزيز الآليات الحديثة في مجال البحث والتحري التي تمكن هيئات إنفاذ القانون من رصد هذه الجرائم وتجميع الأدلة حولها وتقديم مرتكبيها للعدالة، فضلا عن حرصها الدائم على تعزيز قدرات أعضائها المكلفين بقضايا الطفولة وتجويد أدائهم، عبر التكوين المستمر والتكوين التخصصي من خلال الانفتاح على الخبرات والتجارب المقارنة في المجالات ذات الصلة بحقوق الطفل وهو ما يجسده لقاؤنا اليوم الذي يسعى إلى تمكين القضاة من الاطلاع على مبادئ اتفاقية لانزروت ومختلف الممارسات الفضلى على المستوى الدولي والاجتهادات القضائية للمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان في سياق حماية الأطفال. كما أن رئاسة النيابة العامة بصدد إعداد دليل للاستماع للأطفال في تماس مع القانون بمن فيهم الأطفال ضحايا الاعتداءات يوضح التقنيات الضرورية للاستماع للأطفال حفاظا على مصلحتهم الفضلى ومراعاة لهشاشة نفسيتهم وتكوينهم وعدم الإمعان في الإضرار بهم عبر مواجهتهم بالمعتدين أو عبر المساطر القضائية الرسمية التي لا تلائم صغر سنهم. كما يضع الدليل إطاراً مرشداً لكيفية استثمار آليات التواصل عن بعد وغيرها من الآليات الرقمية لتحقيق هذه الغايات.