إفريقيا الجنوبية في رحلة البحث عن زخم ديمقراطي جديد

تشهد منطقة إفريقيا الجنوبية تغييرات جديدة بفضل الانتخابات العامة التاريخية التي جرت في العديد من بلدانها، وذلك على الرغم من أوجه القصور التي تشوبها.

وقد أجرت كل من جنوب إفريقيا وبوتسوانا ومدغشقر وموزمبيق وزيمبابوي وناميبيا انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة خلال سنة 2024.

ففي بعض البلدان، خسرت الأحزاب التي كانت في السلطة لعقود من الزمن، أو حتى منذ الاستقلال، الانتخابات والسلطة المطلقة التي احتفظت بها لفترة طويلة، وعرفت أخرى أول انتقال للسلطة، كما حدث في بوتسوانا، في حين جرى اللجوء إلى تشكيل ائتلاف لتقاسم السلطة مثلما حدث في جنوب إفريقيا.

ويعكس هذا الوضع مسارا ناضجا للتعددية الحزبية والانتقال السلمي للسلطة، وهو توجه مرحب به في قارة تعاني منذ فترة طويلة من الصراعات الداخلية على السلطة والفقر والنزاعات والأوبئة.

في جنوب إفريقيا، خسر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الحزب الذي تولى السلطة منذ نهاية نظام الفصل العنصري سنة 1994، أغلبيته في البرلمان لأول مرة منذ 30 عاما، حيث حصل على 40 في المائة فقط من الأصوات المدلى بها في الانتخابات التي جرت في 29 ماي الماضي. وبعد أن ضعفت قوته في هذه الانتخابات، اضطر حزب المؤتمر الوطني الإفريقي إلى إقامة تحالف مع تسعة أحزاب سياسية أخرى لتشكيل حكومة وحدة وطنية.

ويعد تراجع شعبية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي جزءا من توجه متصاعد ناجم عن تصورات حول الفساد المنهجي المتزايد داخل حزب نيلسون مانديلا، وارتفاع منسوب عدم المساواة، والفقر، والبطالة بين الشباب. فأكثر من 60 في المائة من الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، عاطلون عن العمل.

وتعتبر بوتسوانا أبرز نموذج لانتقال السلطة في منطقة إفريقيا الجنوبية، فقد اتخذت العملية السياسية بعدا ونطاقا جديدين تماما، حيث خسر حزب بوتسوانا الديمقراطي، الذي حكم هذه المستعمرة البريطانية السابقة منذ استقلالها في سنة 1966، السلطة في الانتخابات العامة التي أجريت في 30 أكتوبر الماضي، وحقق حزب التحالف من أجل التغيير الديمقراطي المعارض، الذي كان وصيفه الدائم، مفاجأة بفوزه في الانتخابات البرلمانية والرئاسية على حد سواء، منهيا بذلك حكم حزب بوتسوانا الديمقراطي الذي استمر ستة عقود.

وللمرة الأولى، فازت أحزاب المعارضة بأغلبية المقاعد في البرلمان، مما مكن زعيم حزب التحالف من أجل التغيير الديمقراطي، دوما بوكو، من تحقيق حلمه في أن يصبح رئيسا للبلاد.

وعندما أصبح المستحيل واقعا، لم يستغرق الأمر من الرئيس المنتهية ولايته، موكغويتسي ماسيسي، سوى ساعات فقط للاعتراف بالهزيمة. وهو إنجاز نادر في البلدان التي تعتبر فيها الأحزاب الحاكمة السلطة حقا من حقوقها.

ويختلف الوضع كثيرا في موزمبيق، حيث اندلعت الاضطرابات المدنية في عدة مناطق من البلاد فور إعلان اللجنة الانتخابية الوطنية نتائج اقتراع 9 أكتوبر الماضي، الذي أبقى جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو)، التي تحكم البلاد منذ استقلالها في سنة 1975، في السلطة.

وأكد المجلس الدستوري في 23 دجنبر الماضي، فوز الحزب الحاكم منذ نصف قرن ومرشحه للرئاسة دانييل تشابو، على الرغم من الفوضى الناجمة عن شهرين من المظاهرات والإضرابات العامة التي شهدتها البلاد وما خلفته من قتلى ودمار.

وفي ناميبيا، أصبحت مرشحة حزب “سوابو” الحاكم منذ 34 سنة، نيتومبو ناندي ندايتواه، أول امرأة تتولى رئاسة البلاد.

وقد اعترض زعيم حزب المعارضة الرئيسي، “الوطنيون المستقلون من أجل التغيير”، باندوليني إيتولا، الذي حل في المرتبة الثانية، على نتائج انتخابات 27 نونبر الماضي.

وتعتبر زيمبابوي، حيث أعيد انتخاب الرئيس المنتهية ولايته، إيمرسون منانغاغوا، لفترة رئاسية ثانية، من الدول التي لم تشهد أي تغييرات كبيرة حتى الآن في منطقة إفريقيا الجنوبية.

وفازت جبهة الاتحاد الوطني الإفريقي الزيمبابوي-الجبهة الوطنية الحاكمة، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، كما هو الحال منذ سنة 1980. في حين طعن مرشح المعارضة، نيلسون تشاميسا، في نتائج الانتخابات.

لقد أصبح من الواضح أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية، التي جرت في عدة بلدان بالمنطقة، إشارة عما سيأتي في السنوات القليلة القادمة، إذ أتاحت نتائجها الفرصة لشعوبها للتطلع إلى تعزيز نظام التعددية الحزبية ومطالبة الطبقة الحاكمة باتباع الحكامة الجيدة.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد